فضيلة الشيخ / محمد ندا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
لقد كان الرعيل الأول أشد الناس حياءً من الله تعالى حتى تعدى حياؤهم لشيء لابد لهم منه ففي صحيح البخاري سئل ابن عباس عن قول الله تعالى:
{ أَلا إِنَّهُمْ يثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
فقال:” أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء و أن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم” و يفضوا إلى السماء أي ليس هناك ما يحجبهم من سقف و نحوه.
فمن استخف بالأوامر و النواهي الشرعية دل ذلك على عدم إجلاله لربه و إعظامه و عدم حيائه منه جل و علا، و أدل دليل على ذهاب الحياء من الله عند بعض الناس أن تجده ضابطاً لسلوكه و أقواله و أفعاله عند من يحترمهم من البشر، ثم هو إذا خلا منهم و لم يطلع عليه إلا رب البشر وجدته يتصرف بلا قيود، و عن سعيد بن يزيد الأزدي- رضي الله عنه – أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم:
(( أوصني قال: أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي من الرجل الصالح))
قال المناوي- رحمه الله – : “
(أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة و أبين دلالة بأوجز إيجاز، و أوضح بيان، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، و ذوي الهيئات و الفضل أن يراه وهو فاعله، و الله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد لإذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه تجنب جميع المعاصي الظاهرة و الباطنة، فيالها من وصية ما أبلغها و موعظة ما أجمعها”
و

و كان أبو بكر الصديق يقول:”استحيوا من الله فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي”.
و كان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل.

_ المعاصي تذهب الحياء
قال ابن القيم- رحمه الله – :” من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، و ذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصحيح ” الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ “”

– الحياء أصل كل شيء
قال ابن القيم- رحمه الله – : ” فمن لا حياء له ليس معه من الإنسانية إلا اللحم و الدم و صورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، و لولا هذا الخلق لم يقر الضيف، ولم يوف بالوعد، و لم تؤد الأمانة، و لم تقض لأحد حاجة، و لا تحرى الرجل الجميل فآثره، و لا القبيح فتجنبه، و لا ستر له عورة، و لا امتنع من فاحشة و كثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئاً من الأمور المفترضة عليه . “([11])

– من أقوال السلف في الحياء
* تقدم فعل أبي بكر و أبي موسى رضي الله عنهما.
* قال عمر رضي الله عنه:”من قلَّ حياؤه قل ورعه، و من قلَّ ورعه مات قلبه”.
* و قال ابن مسعود- رضي الله عنه – : ” من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله “.
* و قال الحسن البصري- رحمه الله – : ” الحياء و التكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما “.
و إلى الله تعالى نشكو ذهاب هذا الخلق في كثير من صور حياة الناس اليوم على مستوى الأفراد و المجتمعات، فالرجل يجلب القبائح لنفسه بسلوكه مع الخلق و في بيته فيعرض فيه ما يسلخ الحياء و يربي أبناءه على ذلك فيجلب لهم القنوات الهابطة و الأغاني الماجنة و الصور الخليعة و التعاليم المقيتة و لا تسل حينئذ عن حياء الأبناء نتيجة هذه التربية، و المرأة لا تبالي فيما فعلت فتخرج إلى الأسواق متطيبة و متجملة و بحجاب يحتاج إلى حجاب، و في قصور الأفراح بلباس عارٍ و إظهار المفاتن و قبائح لا تنبغي إلا للزوج، و في مخالظتها للرجال الأجانب و حديثها و رفع صوتها و نحو ذلك من الصور، و في الشبكات العنكبوتية صور يندى لها الجبين تدل على موت هذا الخلق العظيم عند الفتيات فرحم الله حالهن و أحسن عزاءهن ببعدهن عن حال أمهات المؤمنين و نساء الصحابة، فعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : ” كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله و أبي و أضع ثوبي و أقول إنما هو زوجي و أبي فلما دفن عمر و الله ما دخلت إلا و مشدودة على ثيابي حياءً من عمر”
و في سنن أبي داود من حديث أبي أسيد الأنصاري عن أبيه- رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. قال الألباني: و بالجملة فالحديث حسن..
نسأل الله أن يهب لنا و لأزواجنا و أبنائنا و جميع المسلمين حياءً يدفعنا للمحاسن و يدفع عنا القبائح.