محمد عوض

باحث في الدراسات الإسلامية

قصة اللقاء الأول
هذه فترة التواصل المباشر مع "د. العلواني" والتي كان لبدايتها قصة:
فقد جاءني أخ فاضل – عليه رحمة الله - من أبناء قريتي المواظبين على استماع خطبة الجمعة التي كنت ألقيها بمساجد القرية، وكان مدرسا للغة الإنجليزية وحاصلا على الدكتوراه في أصول التربية، وتربطه علاقة عمل بالقسم التربوي بـ"مركز الدراسات المعرفية بالزمالك"، جاءني ليسألني عما إذا كنت أرغب في حضور المحاضرة الشهرية من فاعاليات "الموسم الثقافي" للمركز والتي سيحاضر فيها هذه المرة الدكتور " طه جابر العلواني"، نزل على كلامه كمفاجأة مدهشة، حيث كانت أول مرة أعرف بزواج "العلواني" من مصرية وتردده على مصر من آن لآخر لهذا السبب وأنه بسبب ظروف صحية اختار مصر شبه مستقر دائم تقريبا،
رحبت بالدعوة على الفور واخترت مجموعة من المشتغلين بالدعوة والخطابة لنستمع مباشرة ولأول مرة إلى "الشيخ" الذي تحدث حديثا ممتعا حول " أفضل الطرق لتفسير القرآن، وهو تفسير القرآن بالقرآن- سورة السجدة نموذجا"، في نهاية المحاضرة كانت لي مداخلة رد عليها "الشيخ" بتوضيح الفرق بين "التفسير والتأويل" وصافحته ضمن من صافح وعدنا من حيث أتينا لأواظب بعدها على هذه المحاضرة الشهرية التي كان يحاضر فيها "الشيخ" أو غيره،


انتظام اللقاء به

بعد مدة أخبرني "الدكتور بلدياتي" - رحمه الله – برغبة الدكتور "طه" في اللقاء بي وبمن أختار من المهتمين جديا بـ"علوم القرآن الكريم" من خلال "دورة" خاصة بهذه المجموعة، فاخترت نفس المجموعة تقريبا (حوالي 10) وفي الموعد المحدد كنا بين يدي "الشيخ" حيث قابلنا –كما كان شأنه دائما- بحفاوة وكرم بالغين، كان اللقاء مرة وأحيانا مرتين أسبوعيا ولساعات طويلة يتحدث فيها "الشيخ" ويناقش حول شيئ واحد هو "القرآن المجيد" من زوايا ومحاور مختلفة هي تلك التي بلورها ونشرها فيما بعد تحت عنوان "دراسات قرآنية" المشار إلى بعضها آنفا،
استمرت لقاءاتنا بالشيخ لشهور، فترت خلالها همم لكن الله تعالى أعانني على الاستمرار في شد الرحال إليه حتى صرت تقريبا معه بمفردي أنهل من غزير علمه، ثم كرر هذه الدورات لأئمة وخطباء من "القاهرة" وغيرها من المحافظات لاسيما في الفترة من 2011م حتى 2013م،


عجلتنا وصبره
حين كان يكثر من الحديث والكتابة حول "العمل على مراجعة مشكلات أصول الفقه ومحاولة حلها مثل (شرع من قبلنا، سد الذرائع، قول الصحابي، المعلوم من الدين بالضرورة) لأن هذه الأمور تحتاج منا إلى تحديدات دقيقة لم تجر من قبل، وكذلك حين يكثر من ضرورة التنبيه إلى شريعة القرآن لأن ليس هناك شيء أراده الله تعالى على سبيل الإلزام إلا وأصله في كتاب الله، وأن مهمة الداعية هي إدراج الجزئيات المعاصرة الحادثة تحت كليات القرآن الكريم، والنظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل مع مثل تلك الأمور، وكيف اتبع القرآن حينما عرضت له مشكلات أو قضايا مماثلة ولا نتجاوز القرآن الكريم ونلجأ إلى سواه، آنذاك ظننته "قرآنيا" منكرا لما عدا "القرآن" وفي مقدمة ذلك "السنة المطهرة"، ظنناه يريد إهالة التراب على "التراث" الذي جاء هو من خلفيته، فحلم وصبر حتى علمنا "الخوف من الله تعالى أن ينسب إلى كتاب الله أمر لا يكون مرادا  لقائله سبحانه ومنزله" وحلم وصبر حتى علمنا أن "علماء أصول الفقه قد قدموا لنا أدوات ووسائل كثيرة لتقود حركتنا ونحن نتدبر القرآن لبلوغ آيات الشريعة، ولكن فيما يتعلق بالبحث عن المنهج لم نجد طريقا ممهدا كتلك الطريق التي مهدها علماء أصول الفقه إلى شريعة القرآن، فكان لا بد من العمل على رسم منهج للوصول إلى "معالم المنهج القرآني" ودلائله فيه، علمنا أن الأمة كما قال يوما محمد الغزالي رحمه الله:"هجر المسلمون القرآن إلى الحديث، ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة، ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين .....الخ".


"الأئمة والوعاظ" لماذا ...؟
أولى الرجل هذه "الشريحة" عناية فائقة منفقا كل ما يستطيع من مال ووقت وعلم وصحة، ودوافع ذلك لديه كانت تتمثل في:
1- إيمانه العميق بأن:" الأمة دائمًا تنتظر من الأئمة والوعاظ أن يقوموا بكل شيء، وشأن الناس مع خطيب الجمعة أنهم ينظرون إليه بمنظار تاريخي جعل أولي الأمر فريقين: فريق الحكام وفريق العلماء، فالعلماء يُنظّرون ويضعون النظريات والحكام ينفذون. وأنه منذ "العصر الأموي" والصراع بين أولى الأمر لم يتوقف، بل استمر بين السلطان والعَالِم طوال تاريخ الحضارة الإسلامية، وجاهد الحكام بكل جهد من أجل إبعاد العلماء عن كافة المجالات وتهميشهم، واستقطب الحكام بعض أهل الفقه وأبعدوا آخرين، وعادى الحكام الفقهاء المستقلين عنهم من أمثال (الإمام أبو حنيفة وأحمد بن حنبل والشافعي). وهذه الوقفات التاريخية جعلت الأمة تلجأ إلى العلماء الربانيين دائماً وتنظر إليهم بكل الثقة والتقدير، واستمر الحال هكذا حتى استقر في ذاكراتها التاريخية أن خطيب الجمعة والداعية والشيخ هو زعيم المعارضة والأمين والمحامي المدافع عن حقوقها".
2- وكان منشأ اهتمامه بـ"الأئمة والخطباء" أيضا اتساع ميدان تعامل "الخطيب والواعظ" وهو "عامة الناس" بخلاف "الأكاديمي أو الباحث" وبالتالي فلا بد من إعطائه "العلم أو المعرفة" بشكل "متوازن" أو "وسطي" بين " التنظير في الفضاء الفلسفي والتفعيل في الواقع العملي" نعم كان "الشيخ" معنيا بتقريب الفكر الإسلامي لمتناول عقول هؤلاء ليستطيعوا بالتالي تقريبه أكثر وأكثر "لجماهير مساجدهم" وطلبة العلم الشرعي بل والمهتمين بالثقافة والشأن الإسلامي بشكل عام دون تسطيح ولا إغراق.
وكان أحيانا يعاني في "تبسيط" ما يريد إيصاله إلى الحضور بسبب أسلوبه الرفيع سواء في الكتابة أو الحديث، حين يكتب أو يتحدث بلغة متخصصة، فيسأله أحدهم التوضيح فيرفع صوته "بلهجته العراقية" الجميلة مناديا إياي:"شيخ محمد" فأتدخل موضحا مقصده بأسلوب بسيط, وقد كلمته يوما في ارتفاع أسلوبه وضرورة تبسيطه،فقال:"هذا دوركم فإن توقفي عن الخطابة، وتعاملي الأكاديمي أفقدني القدرة على الخطاب الوسيط".
3- كان "الشيخ" يعلم أن أغلب "طلبة العلم الشرعي" من "سكان القرى أو الأرياف" فهم لهذا جديرون بالعناية ربما لأنهم لم تلوثهم انحرافات "المدن" وكان يرى أن "التغيير إنما يأتي من الأطراف" مستشهدا بقوله تعالى:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} القصص 20 وقوله سبحانه:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} يس 20


جهود وثمار ...
أشهد بالأثر السريع لهذا الجهد المضني والذي ظهر على أداء ومماراسات هؤلاء الدارسين من "الأئمة والدعاة" حيث تغير نمط خطبهم ودروسهم إلى شكل غير تقليدي يعتمد على القرآن الكريم بشكل أساسي، ويرجع ذلك – فضلا عن محاضراته- إلى متابعة "الشيخ" لخطب هؤلاء الدارسين وحرصه على الاستماع منهم جميعا إلى خطبهم التي ألقوها وتوجيههم إلى ما فيها من إيجابيات وسلبيات ..الخ، كما تأثر بهذا الجهد أيضا "مراكز علمية" نشأت بعد "ثورات الربيع العربي" فكان من فاعلياتها الاهتمام بالقرآن الكريم تدبرا وفهما، ولقد كان لـ"مركز ابن رشد للبناء العلمي والتكوين المعرفي" فضل السبق في هذا، حيث نظم خلال الفترة من 4 – 6 فبراير 2012م دورة بعنوان:"تدبر القرآن صوغ العقل والوجدان" كان أغلب المشاركين فيها من تلاميذ الدكتور "طه العلواني", أما عن أثر جهوده في المجال "الأكاديمي" فله مقام آخر.


غيض من فيض المناقب..
كانت إفادتي من "الراحل الكريم" فوق الحصر وأعظم من تحصيها هكذا مقالة، لكني أكتفي بالإشارة إلى بعضها:
-مواجهة الإشكالات الشائكة
انطلاقا من أن الهروب منها يؤدي إلى طرحها من "أعداء الإسلام" واتخاذها مادة للطعن والتشكيك في الإسلام، ومن هذا ما أرسله إلي مكتبه في سبتمبر 2012 :" السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، الشيخ / محمد عوض
يقترح عليك الدكتور/ طه جابر العلواني رسالة للماجيستير في (القراءات): تاريخها، حقيقتها، رواياتها قبل المصحف الإمام وبعد المصحف الإمام، القراءات وعلاقتها بحديث (القرآن أنزل على سبعة أحرف) تخريج الحديث سندًا ومتنًا، ودراسة الحديث لمعرفة مستواه وعلله لا تقليدا للسابقين؛ ولكن دراسة وتخريج من الدارس نفسه، مع معالجة الأسباب التي تدعو المحدثين إلى التشبث بالقراءات والتمسك بها ومحاولة إشاعة المعرفة برواياتها ومدى تأثير ذلك على العقول بأن القرآن الكريم لم يبدل فيه شيء ولم يغيّر، وأن لا مبدل لكلمات الله إلا هو. مع خاتمة ببيان حكم استعمال (القراءات) في عصرنا هذا ، وخاصة ونحن نعلم بأنه لم تعد هناك ضرورة لسانية تكره الناس على هذا الأمر".
-الصدع بما يرى صوابه
كان –رحمه الله- يقدر مسؤلية الكلمة حق قدرها ويعد للأمور عدتها، فإذا حاضر أعد لمحاضرته إعدادا ربما استغرق منه الأسابيع، وصرح لي بكراهيته "للإفتاء" وكان يقول:"أثناء رئاستي للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية وكندا من 1988 حتى 2005م حين كانت تردني أسئلة  من أفراد أو مؤسسات كنت أحيلها إلي دور الإفتاء أو للدكتور القرضاوي للإجابة ثم أحيل الإجابة إلى المستفتي، أنا لا أصدر فتاوى وإنما إذا أردت بيان حكم أو إيضاح إشكالية أكتب فيها بحثا.".
  وهذا ما فعله في موضوع "حد الردة" و"الرجم" وغيرهما. وإذا كان لشيخ الإسلام ابن تيمية فتاوى نيل من عرضه وحريته بسببها ومن ثم فقد كان كثيرون من أهل العلم يتهيبون التصريح بآرائهم خاصة إذا كانت ستصطدم بمورثات تراثية عند الناس خشية التعرض لهذا المآل، فإن "العلواني" لم يكن من هذا الطراز، بل كان يعلن ما قاده البحث المتعمق إليه من نتائج غير مبال بما لذلك الإعلان من تبعات. فحين كلم الشيخ الغزالي حول رأيه في موضوع "حد الردة" قال له الغزالي:"إن هذا الأمر سيفتح عليك أبواب جهنم، فقال له: وأين ستكون؟ قال: إن يدركني يومك أنصرك"
 وحول شهادة الشيخ الغزالي في قضية "اغتيال فرج فودة" أوئل التسعينيات من القرن الماضي والتي قال فيها:"إن فرج فودة مرتد وحكم المرتد القتل وأن من قتلوه قتلوا مرتدا مباح الدم، وأن جريمتهم هي الافتئات على السلطة فقط، يعني كان المفروض أن تقتله الدولة فلما لم تفعل قتله هؤلاء، أعلن "د. طه" في لقاء في برنامج "العاشرة مساء" مع مني الشاذلي 2007 تقريبا: أنا ناقشت الشيخ الغزالي –رحمه الله- في هذا الأمر وقال لي: يا أخ طه أنا كان أمامي مجموعة من الشباب، لو قلت إن فرج فودة دمه محترم ولم يكن يجوز قتله لأنه ليس هناك حد ردة لقتل هؤلاء الشباب، فكنت أريد حمايتهم فاضطررت لأن أقول هذا أنهم قاموا بمهمة الافتئات، أنا قناعتي مثل قناعتك –أي في أنه ليس هناك حد ردة- ولا أختلف عنك في شيئ ولا أؤمن بأن للردة حدا لأن الحدود مكفرات تكفر الذنوب، فماذا تكفر بالنسبة للمرتد؟"
بعد هذا اللقاء شنت حملة شديدة من كل من هب ودب على "الشيخ العلواني" لأنه – في رأيهم - يكذب الشيخ "الغزالي"، وإذا كان صادقا فلم لم يعلن ذلك في حياة "الغزالي"...الخ، وكانت محنة قاسية عليه، وكنت معه على موعد في بيته ففاتحني في هذه الحملة المسعورة، قال وهو في غاية الحزن:"هؤلاء المزايدون أنا أولى بالغزالي منهم ... إن الغزالي حين ترك مصر أثناء فترة رئاستي للمعهد العالمي ليعمل بالجزائر ركبت الطائرة من أمريكا إليه لأقنعه بضرورة عودته إلى مصر وأن مثله لا يتركها نهبا للعلمانيين وغيرهم، وأنها أولى بجهوده .. ولا زلت به حتى كتبت معه عقد عمل مع المعهد، وعاد ليحول المعهد بيته إلى حوزة علمية تكون في خدمته". 
- حسن الأناة
توطدت الرابطة القلبية بيني وبين "الشيخ" حتى صرت أُغبط على مكانتي عنده، فكثير من كتاباته ومقالاته -بفضل الله-أولاني شرف إرسالها إلى قبل نشرها للاطلاع وإبداء الملاحظات وفي مقدمتها كتابه:"إشكالية التعامل مع السنة"، وربما كان السبب في ذلك جرأتي – التي كانت تصل – من سوء الأدب- حد رفع الصوت- في مناقشته فيما أخالفه فيه، وبينما كان "الدكتور بلدياتي" يحاول أن يسكتني كان "الشيخ" يطلب منه أن يخلي بيني وبينه، كان يحب هذه الشجاعة في النقاش على عكس ما يتصوره الآخرون، وكان يصبر على المخالف صبرا لا حد له، ويستمع طويلا لوجهات النظر المخالفة لما يراه، وكذلك في إقناعك بوجهة نظره لا يضره ولا يغيره تجاهك أقبلتها أم رفضتها، ووالله ما تزيدك الأيام إلا بصيرة بصواب رأيه إلا فيما قل وندر. 
-تيسيير التلاوة المتدبرة
وذلك من خلال مراجعة ما اعتبر في تراثنا "علوما لازمة" لفهم القرآن الكريم مثل ما عرف بـ"علم أسباب النزول"، فقد كان رأي "الشيخ"  أننا لو حاكمناه إلى "المبادئ العشرة للعلوم" فلن يجتاز منها مبدأين أو ثلاثة، وبالتالي فلا يصلح أن يكون علما، وفصلا عن هذا فإن القرآن الكريم في الأعم الأغلب نزل "ابتداء" أي بغير سبب، مما جعل الإمام أحمد – رضي الله عنه – يقول:" ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازى. ويروى: ليس لها أصل. أى إسناد لأن الغالب عليها المراسيل".
وكم كانت سعادة "الشيخ" حين قدمت له دراسة قمت بها حول:"أسباب نزول آيات سورة البقرة مما ورد في الصحيحين أو أحدهما" وكانت نسبة الآيات التي ورد لها سبب  ( 7 % ) وهي الفكرة التي طبقها بعد ذلك د. محمد عمارة في أحد كتبه لكنه سحبها على القرآن كله.
-طول المحاورة
نعم فلم يكن "الشيخ" يكتفي بدور الأستاذ المعلم وفقط، بل كان حريصا على المحاورة والنقاش وحسن الإفادة والأخذ من الآخر في تواضع منقطع النظير،
حدثني عن ضرورة محاورة القرآن وطرح أسئلتنا عليه وتلقي الإجابات عن هذه الأسئلة منه لتفعيلها في الواقع المعيش ..الخ ثم سألني عن رأيي في ذلك، فأبديت له ملاحظتين حول هذا الأمر:
إحداهما: أنني أذكر أن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه – خاطب القرآن ذات مرة وفعل شيئا شبيها بما تتحدث عنه لكني لا أذكر من القصة إلا قوله:" أيها المصحف حدث الناس.." ويمكن العثور عليها من "المكتبة الشاملة" بسهولة، فاستدعى على الفور أحد أفراد "أسرة مكتبه" الذي أعطيته الجملة ليبحث عنها، فما لبث إلا يسيرا حتى جاء بالرواية:"وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهَا لَيَالِي قُتِلَ عَلِيٌّ، فَقَالَتْ: حَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ- يَعْنِي عُبَّادَهُمْ- فَنَزَلُوا بِأَرْضِ حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ وَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ ألْبَسَكَ اللَّهُ وَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ، وَلا حُكْمَ إِلا للَّه. فَلَمَّا بَلَغ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ، جَمَعَ أَهْلَ الْقُرآنِ، ثُمَّ دَعَا بِالْمُصْحَفِ إِمَامًا عَظِيمًا، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطَفِقَ يُحَرِّكُهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ: مَا تَسْأَلُ؟ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ وَوَرَقٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْهُ، فَمَاذَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا، بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً من أَهْلِها، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ حَقًّا وَحُرْمَةً مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، قَالَ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلافٍ، فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، ومضى الآخَرُونَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَلِم قَتَلَهُمْ؟ قَالَ: قَطَعُوا السّبيل، واستحلّوا أهل الذّمّة، وسفكوا الدّم." مجمع الزوائد 6/ 235- 237 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
 والأخرى: خشيتي من أن نتقول على القرآن الكريم الأقاويل بأن ننسب إلى كتاب الله أمرا لا يكون مرادا لقائله ومنزله سبحانه وتعالى. ثم إني لا أرتاح لعنوان "حوار مع القرآن" هذا لأنه يذكرني بمقالات  "حديث مع الله" التي كتبها "توفيق الحكيم" بـ"الأهرام" 1983 وفتحت  النار عليه فانهال عليه الكتاب الإسلاميون والدعاة بالمقالات التي تتهمه بالضلال والكفر، فكتب عنه الأستاذ "عمر التلمسانى" مقالة بجريدة "النور" بعنوان:"هكذا تختم حياتك أيها الحكيم؟"،  كما كتب الدكتور "محمد أحمد المسير" مقالة نشرت في جريدة «اللواء الإسلامى» بعنوان:"أدب الحديث عن الله" يتهم فيها "الحكيم" بالافتراء على الله، وكان أشد المهاجمين له الشيخ الشعراوى....
ومرة أخرى طلب "الشيخ" إلى مساعده البحث في "جوجل" عن مقالات "الحكيم" وقرأها بعناية.وهكذا كان سمته دائما ....


وبعد...

فإنني إزاء فراقكم أيها العلم لأستشعر هذا المشهد المهيب الذي سطره إمام دار الهجرة في موطأه:"قال سعيد بن المسيب:"شهدت جنازة زيد بن ثابت فلما دلّى في قبره قال ابن عباس:" من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم، والله لقد دفن اليوم علم كثير" وأنت كذلك يا سيدي  لقد دفن بموتك علم كثير.
غفر الله لك ما لا نعلم، وجعلك خيرا مما نظن، وصنع بك ما هو أهله, فهو سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة. وإنا لله وإنا إليه راجعون.