مع تنامي مصالح العسكر وتوغل بيزنس الجنرالات في مفاصل الدولة منذ سبعينيات القرن الماضي، بات تنازل الجيش عن السلطة في مصر مخاضا عسيرا عالي الكلفة، في ظل تشابك العلاقات بين "جماعات المصالح" وسيطرة الدولة العميقة على كافة أوجه الحياة، والتي بات معها اختراق هذا العالم أو محاولة فك طلاسم استثمارات المعسكر الميري بمثابة اختراق عش الدبابير وأصبحت الأرقام المسربة من خلف الأسوار نوعا من التكهن المتسق مع حجم المشروعات المعلنة وتلك القوانين التي تسير عمليات التوغل والربحية خارج ميزانية الدولة.
 
يزيد صايغ، الباحث الرئيسي بمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط- حاول قراءة وتحليل آخر قرارات الانقلاب من أجل فتح أبواب جديدة لاستثمارات العسكر وفتْح أفاق جديدة لـ"بيزنس الجنرالات"، والتى أصدرها عبدالفتاح السيسي في 29 نوفمبر الماضي، وتضمن تعديل صلاحيات جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.
 
الجهاز الذي أُنشئ بموجب مرسوم رئاسي في عام 1981 لإدارة بيع العقارات التي لم تعد تستخدمها القوات المسلحة، سمح له التعديل الأخير الجهاز الانخراط في النشاط التجاري لتطوير موارده، وأتاح له في سبيل ذلك تأسيس الشركات بكافة صورها سواء بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو "الأجنبي".
 
وأشار صايغ إلى أن قرار السيسي "رقم 446" يرسخ الاتجاه التوسعي في انخراط العسكر في الاقتصاد المدني والذي تضاعف في أعقاب الانقلاب، وتولّت على خلفيته القوات المسلحة إدارة كل المشروعات الخاصة بالبنية التحتية، فضلا عن رفع لافتات البيادة على باقي فناكيش الجنرال في تفريعة القناة والمليون وحدة سكنية والعاصمة الإدارية.
 
تحركات الجنرال المشبوهة لزيادة حصة العسكر من الاقتصاد المصري المنهار واحتكار كافة أشكال التعامل المالي في مختلف القطاعات دفعت "دراسة أجرتها شانا مارشال" لوصف السيسي بأنه "حارس بوّابة العبور إلى الاقتصاد المصري".
 
وأوضح صايغ أن تفويض جهاز مشروعات العسكر بالانخراط في النشاط التجاري والدخول في مشاريع مشتركة مع شركات محلية وأجنبية، يضع هذا الجهاز في منافسة مباشرة مع مجموعة كبيرة من الشركات المملوكة للجيش وهيئات القوات المسلحة التي تشارك أصلاً في أنشطة من هذا القبيل، ما يعكس احتكارا عسكريا غير مسبوق للاقتصاد وغياب التنافسية مع القطاعين العام والخاص بالنظر إلى القوانين التي تمنح الجيش الأفضلية، سواء على صعيد الاستيراد والجمارك والضرائب والرقابة.
 
وعدد باحث "كارينجي" مشروعات العسكر الصناعية المشتركة مع شركات خارج المنظومة العسكرية، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي في حالة الهيئة العربية للتصنيع، ليكشف أن قرار السيسي يتمحور كليًا حول الدافع التجاري، كما أنه يرمي في الغالب إلى تمكين الجيش من الإفادة من الاستثمارات الهائلة التي يأمل قائد الانقلاب توليدها خاصة من دول الخليج، فضلاً عن اعتبار أراضي المشروعات "مصالح استراتيجية"، وبالتالي فهي خاضعة بالكامل إلى السيطرة الحصرية للقوات المسلحة ما منحها نفوذًا هائلاً على منح العقود وحقوق الانتفاع.
 
واعتبر أن المنطق الغامض للقرار "446" يوحي بأن التوسّع العسكري يرافقه تنويع متزايد وتباين لجماعات المصالح العسكرية المرتبطة بكلٍّ منها، حيث اكتسب الآلاف من كبار الضباط المتقاعدين الذين يشكّلون مجتمِعين "جمهورية الضباط" والتي تتشابك وتلتحم مع الفاعلين في هذا المضمار وتدعم "الشلل" التي تكونت خلال الخدمة الفعلية.
 
وتابع: "إن ظاهرة نشوء جماعات المصالح العسكرية قد تدفع إلى التنافس والاحتراب بين القابعين على رأس قطاع المشروعات من أجل الخروج بأكبر المكاسب؛ الأمر الذي ينذر بمنافسة مختلّة بصورة متزايدة بين جماعات وشبكات المصالح الاقتصادية العسكرية المختلفة، ويؤدي إلى تعقيد البيئة الاقتصادية الإدارية القانونية، بيئة الأعمال التي يعمل ضمنها رأس المال الخاص المحلي والأجنبي".
 
ولضمان خروج العسكر من دائرة الملاحقة القانونية وحسابات التربح والكسب غير المشروع، عمل العسكر على تقنين "البيزنس" وحماية "الرُتب" بمراسيم موازية، يأتي على رأسها ما صدر في مايو2011 عن المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، بإعفاء الجنرالات كليّا من المثول أمام المحاكم في شأن الكسب غير المشروع أثناء الخدمة أو بعد التقاعد، وحالت دون رفع دعوات القضائية ضد عسكر المصالح أو الاعتراض على منح العقود الحكومية.
 
ولفت الباحث: "من الناحية النظرية، قد يشير دخول جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة كطرفٍ تجاري فاعل جديد، إلى تحوّل كبير في السياسة التي يتّبعها السيسي من إعطاء الأولوية للاحتياجات السياسية إلى توليد أقصى قدرٍ من الأرباح للعسكريين وشبكاتهم المختلفة، والسعي إلى تحقيق كلا الأمرين. 
 
واختتم صايغ تحليله لتوغل العسكر الاستثمارية بمراسيم انقلابية، بـ"أن التفسير الأكثر ترجيحاً لذلك هو أن عدم وجود استراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية في مصر، بات يفضي إلى شيء هو أقرب إلى نهج الاقتصاد الحر في داخل الاقتصاد العسكري، ما يمكِّن جماعات المصالح العسكرية المتعدّدة من متابعة أجنداتها الخاصة، حتى لو كانت متعارضة مع بعضها الآخر، ومن الصعب التكهّن بدقّة حيال التأثيرات طويلة الأمد على بيئة الأعمال والتنمية الاقتصادية والسياسة في مصر، لكنها ستكون بالتأكيد سلبية"