محمد عوض
باحث في الدراسات الإسلامية


بعد حياة حافلة بالجهاد فقد العالم الإسلامي علما من أعلام الفكر والتجديد، هو الأستاذ الدكتور "طه جابر العلواني" الذي غادر القاهرة متجها إلى الولايات المتحدة لاستكمال العلاج فوافته منيته في الطائرة فوق الأراضي الإيرالندية الجمعة 4 مارس، ودفن بالولايات المتحدة.
ومن خلال تجربتي مع الراحل الكريم أخط هذه السطور وفاء وعرفانا له بالجميل، وإحقاقا لحق من لم يعرفه، أو عرفه من خلال كتاباته ولم تتح له فرصة التعرف به عن كثب في معرفته.


البداية
كانت فترة السبعينيات من القرن الماضي فترة العصر الذهبي "للتيار الإسلامي" في مصر – لا سيما في الجامعات - وفي طليعته بالطبع " الإخوان المسلمون", وبعد تأسيس "التيار السلفي" في هذه الفترة وازدياد انتشاره فترة الثمانينيات أخذ الاختلاف في وجهات النظر يزداد بين الفريقين, ومما يؤسف له أن تحول هذا الاختلاف من ظاهرة صحة تغني العقل المسلم بخصوبة رأي واطلاع أوسع على وجهات نظر مختلفة تحول عن كل هذه الإيجابيات إلى مرض عضال وسم زاعف أدى إلى التآكل والتفتت والتدابر والتناحر, ما أدى في كثير من الأحيان إلى بغض العوام -الذين يلحظون هذه المشكلات- للتدين والمتدينين,
في هذه الأثناء وتحديدا في 1984م أصدر الدكتور"طه العلواني" كتابه الأشهر: (أدب الاختلاف في الإسلام) ليعالج هذه الصدوع المتزايدة بين فصائل الحركة الإسلامية, فكان الكتاب فريدا في بابه وموضوعه الذي ازداد رسوخا بعد أن تأثر به الدكتور "يوسف القرضاوي" فأصدر كتابه: (الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم) الذي اعتبره مكملا ومتمما لكتاب الدكتور "العلواني",
تلقفت الكتاب وقرأته قراءة متعمقة بل حفظته عن ظهر قلب, وأخذت أعرضه على الناس في خطبي ودروسي وفي لقاءاتي العامة والخاصة خصوصا مع الشباب الجامعي الذي اكتوى بمشكلات "الاختلاف المؤدي إلى التفرق" في جامعاته, مما كان له طيب الأثر في هذه الأوساط بفضل الله.


حط الرحال في مصر
في 2006م وبعد أن اشتدت به آلام "ركبتيه" التي أعاقته تقريبا عن الحركة عاد الدكتور " العلواني" من "الولايات المتحدة", ليستقر في "مصر" ولتبدأ رحلتي معه حتى انتقل إلى جوار ربه,
وقبل الحديث عن ذكريات ودروس هذه الرحلة من المهم جدا تسليط بعض الضوء على المراحل الهامة من حياته والتي كانت كلها "حياة مجاهد غربه الجهاد"
كانت حياته أطوارا
-ولد في 4 مارس 1935م في الفلوجة في العراق. ودرس على مجموعة من العلماء العراقيين,
-ثم هاجر هجرته الأولى إلى القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر حيث واصل تحصيله العلمي، ونال فيه الشهادات العليا: العالمية (1959)، والماجستير (1968)، والدكتوراه (1973) في الشريعة وأصول الفقه.
-وبعد تخرجه، عمل أستاذا في كليّة الدراسات الإسلاميّة في بغداد، واشتغل أيضا بالخطابة والإمامة والتدريس في بعض مساجد بغداد.
-اضطر الدكتور "العلواني" لمغادرة العراق بعد اختلافه مع النظام السياسي الجديد وإصدار حكم بإعدامه، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، حيث درّس فيها الفقه وأصوله لمدة عشر سنوات (1975-1985).
وكان خلال تلك السنوات يسافر كثيرا إلى "الولايات المتحدة الأمريكية" للمشاركة في العمل الفكري والدعوي. ثم أسس مع مجموعة من العلماء والمفكرين أمثال الدكتور عبد الحميد أبو سليمان والدكتور إسماعيل الفاروقي وغيرهما في فيرجينيا "المعهد العالمي للفكر الإسلامي" عام 1981، وقد أوقف مع إخوانه عقله وماله وفكره على هذا المعهد الذي أحدث نقلة فكرية هائلة على مستوى العالم.
ترأس الدكتور "طه" المعهد من عام 1988 إلى سنة 1996، وكذلك أشرف على إصدار مجلة المعهد الأكاديمية "إسلامية المعرفة" التي أصبحت اليوم من أحسن الدوريات العلمية في العالم.
-تفرغ الدكتور "العلواني" بعد عام 1996 لإدارة جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن (جامعة قرطبة لاحقا) التي تستقطب الطلبة من كل أنحاء العالم الإسلامي.
مرحلة "الحياة مع القرآن"
خير توصيف لآخر وأهم فترة من من حياة "العلواني" قول الشهيد "سيد قطب":" الحياة في ظلال القرآن نعمة. نعمة لا يعرفها إلّا من ذاقها. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
والحمد لله.. لقد منّ عليّ بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان، ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط في حياتي. ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه".
هذا ما ينطبق تماما على الفترة الأخيرة من حياة "العلواني" مرحلة استقراره بمصر في السنوات العشر الأخيرة - ( 2006م – 2016م - حيث ملأ "القرآن الكريم" عليه كيانه كله, وفكره كله, فتخلص من أعباء "الإدارة والتدريس" ليتفرغ لــ"مشروعه الكبير" والذي كانت أهم معالمه:"تدبر القرآن المجيد" والذي كان يراه:"واجبا حتميا وفرض عين على كل مسلم، مثله في هذا كالصلاة والصيام, وبرغم هذه الأهمية البالغة، الا أن الكثيرين قد أهملوه، وهجروا فهمه، وبالتالي هجروا العمل به.." ومن ثم، كان همه الأول والأخير وشغله الشاغل في هذه الفترة هو:"معرفة كيف نتدبر القرآن الكريم, كيف نضع منهجية لهذا التدبر, كيف نعود بالأمة إلى قرآنها من جديد, كيف ننتقل من التنظير إلى التطبيق والتدريب العملي للعقل المسلم على إعمال هذا العقل والفهم لاستنباط واستخلاص الأوامر والنواهي والعظات من آيات الكتاب الحكيم...كيف نعيد للقرآن حاكميته وهيمنته وتصديقة على ما عداه... كل ذلك رجاء أن يفتح الله تعالى القلوب لهذا الأمر الجليل، وأن لا نكون ممن غُلقت قلوبهم بالأقفال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}".


نحو الهدف

وفي سبيل إنجاز ذلك سلك –رحمه الله- عدة مسالك منها:
أولا: التواصل المباشر مع من يتوسم فيهم أو يعلم عنهم "حسن الصلة بالقرآن الكريم" ولو لم يكونوا "مرموقين أكاديميا" وذلك بغرض "المدارسة" حول كيفية تحقيق هذه الأهداف الكبرى لهذا المشروع.
ثانيا: كتابة وجمع عدد كبير من مقالاته وبحوثه ومحاضراته، ونشرها في كتب متسلسلة تحت عنوان:"دراسات قرآنية"منها:
1-أزمة الإنسانية ودور القرآن في الخلاص منها 2006
2-الوحدة البنائية للقرآن المجيد، 2006
3-لسان القرآن، 2006
4-إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم 2006.
5-نحو موقف قرآني من النسخ، 2007
6-نحو موقف قرآني من المحكم والمتشابه، 2010
7-أفلا يتدبرون القرآن قراءة في منهجية التدبر والتدبير، 2010
8-معالم المنهج القرآني 2010
9-تفسير سورة الأنعام 2010
10-إشكالية التعامل مع السنة 2012
11-حوار مع القرآن تجربة ذاتية ودعوة للتدبر 2014
ثالثا: إنشاء "أكاديمة العلواني للدراسات القرآنية"
رابعا: تدشين "موقع د. طه العلواني" وصفحته على "الفيس بوك" حيث نشر عبرهما المقالات والدراسات الخادمة لمشروعه (463 مقالا) ومنهما كانت تنقل المواقع والصحف والمجلات كمجلة "الأزهر" وغيرها.
خامسا: أنتج من خالص ماله برنامج "مفاتح القرآن" على "اليوتيوب" ليقدم للناس مشروعه بالصوت والصورة.
سادسا: الدورات التى قدمها عبر "الإنترنت" للدارسين حول العالم.
هذا فضلا عن مداخلاته ومشاركاته في كثير من البرامج التليفزيونية خصوصا في فترة ما قبل الانقلاب العسكري في مصر.