"ليعلم أبناؤنا أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً.. لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبدًا على رأي الفسدة.. ولا يعطون الدنية أبدًا من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم".. هو الميثاق الذي قطعه الرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي، وخارطة الطريق التي التزم بها أحرار الوطن للدفاع عن مكتسبات الثورة واستعادة الشرعية وإسقاط النظام الفاشي ليسطروا ملاحم الفداء والتضحية.

ففي الوقت الذي انبطح فيه العبيد تحت سطوة البيادة، وتنازلت فيه العمائم على الحكم ما أنزل الله لإرضاء هوى الحاكم، وتخاذل مدعو الثورية ومناضلو التواصل الاجتماعي، لم يمكن ليكسر استبداد الطغاة أو يذل الجلاد في معتقلات العسكر سوى ابتسامة الحر وصمود الثائر وكبرياء البطل خلف القضبان.

ولن تحتاج إلى زيارة إلى إحدى سلخانات الانقلاب أو زنازين الظلم والطغيان لتدرك من هو الحر! وإن حجبته الجدران عن ميدانه ومن هو الأسير داخل جبنه وبين أسوار تخاذله! وإن ظن كذبا أنه طليق، حيث لخصت رسالة الصحفي الحر حسام عيسي كل معاني الصمود، ووثقت كافة صنوف الإباء، وقدمت جميع أشكال الصلابة والثبات على الحق، وحقيقة الصمود في وجه الظلم والفساد والضغيان.

حسام هذا الصحفي الشاب لم يرد أن يمر اليوم العالمي لحرية الصحافة، دون أن يضع العالم أمام نفسه ويكشف حقيقة مدعي الحريات وحقوق الإنسان، ويفضح ممارسات العسكر الفاشية وجناحهم الأمني على رءوس الأشهاد، دون استجداء أو مناشدات أو مطالب، بل ربما هو من يشفق عليهم ويدعو من أجلهم.

ومن بين أيدي زبانية العسكر تسربت رسالة حسام إلى الأحرار لتثبتهم وتشد من أزرهم، وتعكس الصفاء الروحي والرضا النفسي الذي بلغه من خرج يوما بملئ فاه ليقول "هي لله"، فخرجت كلماته كاشفة وعباراته ناصعة ولسانه ينطق بما يشفي القلوب ويذهب غيظ القلوب.

وللحق لا تحتاج رسالة حسام إلى تصريف أو تحريف؛ حيث ننقلها كما هي، يكفي ويشفي ويفي، فكان نص رسالته التي أطلقها من "فيلا بورتو برج العرب" قبل 6 أيام من اليوم السبت 9 مايو 2015:

"على تلك الورقة البيضاء البسيطة أرسم لنفسي عالمًا خياليا مضيئا مشرقا، أقهر به ضيق الجدران من حولي وأذهب بخيالي إلى أبعد الحدود بعد أن حال بيني وبين حريتي 12 بابا حديدياـ بدءًا من باب الزنزانة وانتهاءً بباب السجن العمومي".

ومن دولابي المصنوع من الكراتين، أخذت ملابسي التي أعشق عطرها وأقدر طياتها الأنيقة، وتوجهت مسرعًا مع إطلالة نور النهار الخافت إلى الحمام، لألحق دوري قبل أن يستيقظ الجميع ويصعب أن تنال دورًا في الحمام، أردت أن أروي عطش جسدي ببعض لترات من المياه.

ومع دخول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، وصل التكدس بالزنزانة إلى 27 فردا في غرفة ربما ضاقت بي وحدي منفردًا في زمن حريتي، إلا أن أجسادنا ولله الحمد تأقلمت على تفادي الاصطدام ببعضها، ودهس الأرجل النائمة.

وتحت هدير الماء البارد، أطلت الاسترخاء واستدعت ذاكرتي شتاء يناير على شواطئ الإسكندرية، ومشهد قطرات المطر والتحاقها بالرذاذ المتطاير من الأمواج بعد ارتطامها بالصخور، فكثيرًا ما استمتعت بهذا المشهد، وذلك الهدوء الذي يجلب سكينة القلب وصفاء الذهن، شعور بأنك تمتلك أكبر مساحة من الأرض وقارنت شعوري ذاك على شواطئ الإسكندرية بملكيتي الآن في بورتو برج العرب.
ملكيتي الآن لا تتجاوز أكثر من 50 سم عرض و150 سم طول، ولا يمنع من أني أحيانا وفي هذه المساحة الضيقة للغاية قد أستضيف بعض الأذرع والأرجل من جيراني، إلا إنني ولله الحمد على هذه الملكية المحدودة للغاية أصول وأجول وأنام وأجلس، وقد أتمشى وأتريض، وعلى أرضي هذه أعبد ربي، وأصلي وأصوم ونقيم حلقات القرآن والمحاضرات الثقافية والعلمية والترفيهية.
فسأنطلق محلقا أعلم الصقور كيف تمتلك مع الجو والبر والبحر، وسأحول ضيق الجدران وازدحام المكان وقسوة الأحكام وبطش السجان إلى طيف من أحلام اليقظة، وبالفعل قد تغلبنا على الواقع فقد تحول اللامعقول في أن يتواجد آدمي داخل هذا القبو السحيق، إلى تطويع للجدران وتليين للحديد، والتغلب على هذا الواقع المرير، انتهت رحلة ذكرياتي برفيق لي يطرق الجدار لأنتهي من حمامي.
عدت إلى فراشى الضيقة فى الواقع، الواسعة فى المعايشة، متجاوز فى طريقى الأرجل والأذرع والأجساد المتلاحمة، فالحياة المشرقة في كل مراحلها وفي كل جانب من جوانبها، يمكننا أن نصنع إشراقة جديدة.. وأنا في انتظار فتح ربي.. يقينا وإيمانا".