أكثر من مائة صحفى يقبعون فى سجون الانقلاب ينتظرون قرار الإفراج عنهم، أحوالهم الصحية تسوء يوما بعد الآخر فى ظل الظروف السيئة التى يعانى منها المعتقلون فى "سلخانات التعذيب"، هؤلاء اعتقلوا ليس لجُرم اقترفوه بل لقيامهم بأداء عملهم الصحفى وواجبهم المهنى أى أن التهمة "صحفى"، ولازالت قائمة الصحفيين المعتقلين ينضم إليها صحفيون جدد يوما بعد الآخر.

في اوراق الرسمية الاتهامات الموجهة لهؤلاء الصحفيين، هي نشر اخبار الكاذبة، وحمل السلاح "كاميرا"، فضلا عن مجموعة أحراز يصعب على المصور أو الصحفي حملها منفردًا، ولم يكتفِ زبانية الانقلاب باعتقال الصحفيين بل يقومون بالتضييق عليهم ووصل الأمر إلى حد الحرمان من الطعام والزيارة وإدخال المتعلقات الشخصية والأدوية، وحرق كافة متعلقاتهم الشخصية وملابسهم وأغطيتهم.

التضييق فى العقرب
فى سجن العقرب يعانى الصحفيون الثلاثة "أحمد سبيع" و"حسن القباني" بالإضافة إلى الكاتب الصحفي "وليد شلبي"، من تضييقات شديدة لا مبرر لها، وصلت إلى حد الحرمان من الطعام، والسماح فقط بشراء وجبة واحدة يوميا لا تكاد تكفي، فضلا عن الحرمان من شراء الماء الصالح للشرب، في حين أن الماء المتوافر لا يصلح للاستخدام تماما.

بالإضافة إلي الحرمان من الزيارة أو إدخال المتعلقات الشخصية والأدوية، وقامت إدارة السجن بحرق المتعلقات المتوافرة بالفعل وحتي الملابس والأغطية.

يذكر أن زوجة الصحفي أحمد سبيع، أكدت أنها بعد أن تمكنت أمس السبت، من زيارة زوجها والتي مُنعت عنها منذ أكثر من شهر، رأته بحالة بالغة السوء من الناحية الصحية، حيث فقد الكثير من وزنه نتيجة للحرمان من الطعام وسوء الأوضاع بالداخل.

ويرجع غلق الزيارات فى سجن العقرب لحملة لمدة شهر تنتهى يوم 11 إبريل القادم، وذلك وفقا لتصريحات الناشط الحقوقى والمحامى خالد المصري، 

وأضاف المصري -في تدوينه له عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أن هذه الحملة تشمل التفتيش الدورى والتجريد الشامل والتضييق الممنهج وغلق الزيارات، ومن الملاحظ أن سجن العقرب لا يوجد فيه زيارات منذ 25 يناير 2014، وكل من يحاول الدخول عليه استخراج تصريح زيارة استثنائى من نيابة أمن الدولة.

وأشار إلى أنه من المفترض أن يكون تصريح الزيارة من النيابة ملزمًا لإدارة السجن، فكانوا يتحايلون على الأهالى الحاملين لهذا التصريح ويأخذونه منهم ثم يقولون لهم التصريح مزور، الختم مضروب أو روحوا خدوه من النيابة، وكلها حجج وهمية حتى لا يعطوهم التصريح مرة أخرى الذى هو فى الأصل وثيقة إلزامية لدخولهم الزيارة، فأصبح الأمر فى ظاهرة أنهم دخلوا الزيارات فى حين أن هذا لم يحدث.

وأضاف الناشط الحقوقى هذا الأمر يفسره ما حدث فى النيابة طيلة الأسبوع الماضى، وكل من كان يرغب فى استخراج تصريح جديد كانوا يعطونه موعدا للاستلام بعد يوم 11/4.

وأكد أن الذى حدث لم يشمل سجن العقرب فقط، بل شمل سجن وادى النطرون وسجن بنها وسجن الوادى الجديد، موضحا أن هذه أولى ثمار وزير الداخلية الجديد ورئيس مصلحة السجون الجديد.

حملات التنكيل "أبو زعبل"
ولم يكن سجن أبو زعبل أحسن حالا من سجن العقرب، فها هو الصحفى أحمد جمال زيادة، المعتقل فى سجن أبوزعبل منذ أكثر من 600 يوم يكشف فى رسالة مسربة له أمس السبت، عن حملة التنكيل التى يتعرض لها معتقلو سجن أبو زعبل من إهانات وسرقة متعلقات وحبس انفرادى.

وقال: "فى السجن لا مجال للاعتراض، يجب أن تصمت كى تعيش فى الزنازين"، مضيفا: "إن ما حدث فى سجن أبوعبل، الأسبوع الماضى، بدأ عقب اعتراض أحد الطلاب، فأمر الضابط بإنزاله للتأديب، وهو ما قابله الجميع بالاعتراض، وبدلا من ذلك دخل 12 معتقلا للتأديب أو "مقابر الموت" -كما يصفها- غموا أعينهم، وبدأ الضرب والاعتداء".

وأشار إلى أن آثار الضرب مازالت واضحة على جسد الطالب على قاعود، وتابع زيادة: وفى اليوم التالى أمرتهم إدارة السجن بالانتقال إلى زنزانة أخرى، وترك كل شىء، وقال المأمور لهم: "ممنوع الجاكيت، والملايات، والترينجات، والبطاطين، والمخدات، والأطباق، وكراتين المياه، ودمروا كل شىء".

واستطرد الصحفى المعتقل، قائلا: طالبت بتحرير محضر بالسب والقذف عقب تعرضى للإهانة من قبل أحد العساكر، فأمرهم المأمور بأخذى لعمل محضر، ومازالت علامات المحضر على جسدى إلى الآن، أخذت نصيبى من الضرب، وبدلا من عمل المحضر الذى طلبته كتب المأمور محضرا ضدى اتهمنى فيه بالهياج الفردى".

تدهور حرية الصحافة
في تقرير نشره موقع "دويتش فيله" عن حرية الصحافة في مصر، وصفها بأنها في "تدهور مستمر"، وأضاف التقرير الحقوقي أن عمليات القمع والعنف ضد الصحفيين في مصر قد وصلت إلى درجة مقلقة.

وأكدت لجنة حماية الصحفيين -التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها- في تقريرها المنشور بدويتش فيله، أنه "لم تشهد حرية الصحافة في أي مكان آخر تدهورًا جذريًا قدر ما حصل في مصر"، واعتبر موقع دويتش فيله أن حرية الصحافة أصبحت معدومة في مصر، مشيرًا إلى أن أكثر من صحفي أكدوا في إجاباتهم عن سؤال حول حرية الصحفيين، "تمتعنا بها خلال عام واحد فقط، وهو عام حكم مرسي، بعده تزايدت الخطوط الحمراء، وأصبحت محاكمة بعض الصحفيين رسالة تهديد لباقي الصحفيين".

وأكد صحفيون أن مصر أصبحت ساحة لمحاكمة كل الصحفيين سياسيًا، وأن تلك المحاكمات ليست فقط لمن ينتمون لتيار الإسلام السياسي، بل لكل من يقترب من النظام الحالي بأي نقد.

100 صحفى معتقل
جاوز عدد المعتقلين في مصر -وفقَا لمراكز حقوقية- 100 صحفي من كافة التيارات والتوجهات السياسية، امر الذي يؤكد صحة ما تعانيه حرية الصحافة من تدهور، وفقًا لتقرير لجنة حماية الصحفيين في العالم.

لكن يبدو أن النظام الانقلابى لا يعترف بأية إدانة ولا شجب لمقتل الصحفيين سوى صحفيي شارلي إيبدو، الذي انتفض العالم لقتلهم في حين لم يحرك ساكنًا لما جرى ويجري في مصر.

بينما ذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن التهمة الرئيسية التي وجهها نظام الانقلاب في مصر للصحفيين أنهم "يمارسون عملهم".

ويبدو أن عمل الصحفيين كان مزعجًا بحق حتى يتم اعتقال أكثر من مائة صحفي بينهم صحفيون أجانب، لكن بعد الإفراج عن بيتر كريستي صحفي الجزيرة الإنجليزية -أسترالي الجنسية- تحول الاتهام إلى ما وصفته الكاتبة الصحفية عبير سعدي بأن التهمة صارت "أنت مصري".

انتكاسة كبيرة 
فى ديسمبر الماضى، أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن مصر احتلت المرتبة الرابعة بسجنها 16 صحفيا، يتبعها سوريا بـ13 صحفيا، و73 في بقية العالم.

كما أصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، تقريرًا موجزًا عن حرية الصحافة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وقالت إن مصر شهدت انتكاسة كبيرة في حرية الصحافة عقب 3 يوليو 2013، حيث قُتل عشرة صحفيين، واعتقل أكثر من 84 صحفيا، وأغلقت العديد من القنوات وهناك عدد من الصحفيين خضعوا لمحاكمات عسكرية.

وأشار التقرير إلى استهداف مكاتب "الجزيرة" في القاهرة وإغلاقها ومصادرة بعض الأجهزة وتوقيف واستجواب عدد من الموظفين ثم إطلاق سراح بعضهم.
 

ووضعت لجنة حماية الصحفيين الدولية مصر ضمن قائمة الدول الخطرة على الصحفيين من حيث مؤشرات حرية الصحافة، وقال التقرير" بعد 3 يوليو أغلق الجيش وسائل الإعلام الإخبارية المؤيدة لمرسي أو أخضعها لرقابة مشددة، وتعرضت وكالات الأنباء الأجنبية، التي تعتبر غير متعاطفة مع النظام العسكري، بما فيها شبكة (سي إن إن)، ومحطة (الجزيرة)، للمضايقة بشكل منهجي، وتعرضت مكاتب 11 وسيلة إعلامية إخبارية للاقتحام.