بقلم: ياسر الزعاترة

 
بخلاف الكثير من التكهنات التي أطلقتها بعض الدوائر الغربية، جاءت عملية انتقال السلطة في السعودية سلسة، ولم يلحظ المراقبون أي مشاكل تذكر، الأمر الذي يبدو طبيعيا في حالات الأسر الكبيرة والممتدة كما هو الحال في المملكة العربية السعودية.
 
وما لاحظه المراقبون هو حجم الاهتمام العالمي بالحدث المتمثل في وفاة العاهل السعودي، ومن ثم الترتيبات التالية، الأمر الذي يعكس في واقع الحال مستوى الأهمية التي تحظى بها المملكة؛ ليس في الحالة العربية وحسب، وإنما الإقليمية والدولية أيضا، وبالطبع بوصفها المُصدِّر الأكبر للنفط في العالم، فضلا عن مكانتها الروحية بالنسبة للمسلمين، ناهيك عن الأدوار الأساسية التي لعبتها وتلعبها في المنطقة، وحيث أصبحت اللاعب العربي الأهم .
 
اليوم يأتي الحكم الجديد في السعودية، وقد تخلص من الهاجس الذي حكم السياسة الرسمية طوال السنوات الأربع الماضية، فيما ورث هاجسا آخر لا يقل أهمية، مع إشكالات أخرى تتطلب الكثير من الحكمة للخروج بالمنطقة من أزمتها الراهنة.
 
وفي حين كان هاجس الربيع العربي هو الذي تصدر السياسة السعودية خلال السنوات الأربع الماضية، فإن ما جرى في مصر يجعل الأمر أقل إلحاحا بكثير مما كان عليه الحال سابقا، وبالطبع في ظل محور عربي تتصدره المملكة، ويمكن القول إنه لا يواجه الكثير من المخاطر الكبيرة، باستثناء التحدي الإيراني.
 
في السياق الأخير يبدو الأمر أكثر إلحاحا مما كان عليه من قبل في ظل اقتراب النار الإيرانية من الثوب الخليجي بسيطرة الحوثيين على اليمن، فضلا عن العراق وسوريا ولبنان، وفي ظل خطاب موغل في العداء من إيران حيال المملكة، حتى أن المراقبين يرون أن ما جرى خلال الأيام الأخيرة في صنعاء كان الرد الذي لوّحت به إيران ضد المملكة ردا على سياستها النفطية التي أدت إلى تدهور أسعار النفط على نحو أصاب طهران بالهستيريا.
 
من الواضح أن هذا الملف (الصراع مع المشروع الإيراني) هو الذي سيتصدر أجندة المملكة خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك إلى حين أن تقبل إيران بتسوية إقليمية تمنحها حجمها الطبيعي في المنطقة.
 
وإذا كان حضور أردوغان لجنازة العاهل السعودي مثيرا للاهتمام، فإن فتح خط دافئ بين الرياض وأنقرة قد يعني تعاونا يفضي إلى تحجيم النفوذ الإيراني، لاسيما أن مصر لا تبدو في وارد المشاركة في المعركة ضد إيران كما يتبدى من السياسات الراهنة، في ظل ميل واضح من النظام إلى تحسين العلاقة مع طهران، مقابل مكاسب اقتصادية، فيما الثمن بالنسبة لإيران هو العمل على إعادة تأهيل بشار الأسد الذي يعتبر الركن الأكبر في مشروع التمدد الإيراني.
 
لن يكون الأمر سهلا بكل تأكيد، لكنه لن يكون صعبا أيضا، فالنزيف الذي تعانيه إيران على مختلف المحاور سيجعل إمكانية انتصارها مستحيلة، مهما طال أمد المعركة، وحتى إثارة القلاقل هنا أو هناك يمكن الرد عليها بدعم مجموعات جاهزة في الداخل الإيراني إذا اقتضى الأمر، مع العلم أن شيئا من ذلك بدأ يحدث خارج الأطر الرسمية العربية.
داخليا، يمكن القول إن ثمة حاجة إلى بعض أشكال التغيير، ومن عادة الحكم الجديد أن يفعل ذلك، ، ربما التفكير بشكل من أشكال الإصلاح السياسي بحسب ما تستوعبه الأطر الموجودة.