نافذة مصر
والميزة الوحيدة لكونك من مرتادي سجن العقرب أنه جمع حشدا من الأخيار- أحسبهم كذلك- تراهم في انتظارك للزيارة في ذهابهم وإيابهم للمسرحيات المسماة زورا بالمحاكمات؛
وحين تراهم ترى عجبا..يلوحون للواقفين بانتظار دخول الزيارات مبتسمين، وجوههم منيرة، يضمون قبضة أياديهم في رسالة مفادها بأنهم صامدون ثابتون، وأكاد أحس من خفة خطواتهم وارتفاع معنوياتهم أنهم على وشك التحليق عاليا..
أناس محبوسون حبسا انفراديا..نعم انفراديا..في زنازين ضيقة وظروف سيئة لما يربو على العام..ممنوعون من أبسط حقوق الإنسان فضلا عن حقوق المحبوس في ما يدعى القانون..يحسبون عليهم لقيمات الطعام..ويمنعون عنهم زيارات الأهل المقررة لكل المحبوسين في بقية السجون..فلا يحق لهم أن يروا أطفالهم وأهليهم إلا مرة كل نصف شهر أو يزيد حسب قدرك مع النيابة التي لا تنوب إلا عن الظالم السجان..ثم حين يسمحون لك بالزيارة من وراء الزجاج الحائل يسجلون عليك أنفاسك وكلماتك ويمنعون حتى الأطفال من الجلوس مباشرة مع آبائهم أو حتى السلام العابر عليهم في آخر الزيارة..
ثم بعد هذا تجد أن خير أيام الشهر هما يومي الزيارة وأعلى منسوب للإيمانيات والطاقة الإيجابية في هذين اليومين..
كما عهدناهم..يسبقوننا على الطريق فنقتدي بهم..ويضحون بالغالي والنفيس قبل غيرهم..ليسوا كالنخبة المتعالية المتفلسفة التي لا تراها إلا في شاشات التلفاز.. فكم اصطففنا للصلاة خلفهم..وكم حضرنا لهم مجالس علم..وكم بادروفي القيام بكافة الأعمال حتى كنس الشوارع..وكم جهروا بالحق فعوقبوا أكثر من غيرهم قبل الثورة وبعدها فلم يبدلوا ولم يغيروا..
لذا أمر على حديث المفاوضات فأدرك كم هو حديث سخيف لا يليق بمواقفهم..أحسبهم لا يتركون الشعب أبدا لينجو بأنفسهم فهم منه ونالهم مثل ما ناله..وللثورة أهداف كبيرة تستحق الكثير من الصبر..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..لا يعلمون كيف يغلب ربي سبحانه