يبدو رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي واثقا تماما من استسلام المصريين لقراراته الاقتصادية، خاصة استمرار رفع الأسعار بما يتجاوز قدرات الطبقتين الدنيا والوسطى.

وذهب السيسي لخطوة أبعد مما استطاعه كل رؤساء مصر السابقين، حيث رفع سعر الخبز عبر حيلة إنقاص وزنه، وتبدو هذه المرة الأشق على المصريين، لأن المساس بـ"لقمة العيش" تزامن مع الإعلان عن رفع أسعار عدد من المستلزمات ووسائل النقل العام، فضلا عن زيادات أخرى تتم دون إعلان.

وبنى السيسي سياساته منذ توليه على معادلة القمع مقابل القمح، إذ مضى في إجراءات "غير مسبوقة لقمع حريات التعبير، وقتل السياسة، في مقابل استمرار تدفق السلع الأساسية إلى الأسواق وإتاحة الخدمات للمواطنين"، بحسب مراقبين.

لكن هذه المعادلة باتت عرضة للانهيار مع ارتفاع وتيرة الغضب من زيادة الأسعار بما يفوق طاقة معظم المصريين، وارتفعت أنات الشكوى بوضوح بين الجميع -بمن فيهم مؤيدو السيسي- الذين ضحوا بالحرية مقابل الخبز، فانتهوا إلى أنه الآن لا خبز ولا حرية.

توقعات بالمزيد
ويتوقع عليوة ـوهو موظف حكومي يقترب من المعاش- المزيد من الجباية طالما لم يبد الشعب احتجاجا على زيادات الأسعار كما جرى في عهد الرئيس الراحل أنور السادات حينما انتفض المصريون ضد قرارت رفع الأسعار مطلع عام 1977، واضطر السادات للتراجع واصفا التحرك بـ"انتفاضة الحرامية".

وكرر السيسي في أكثر من مناسبة إدانته تراجع السادات عن قرارات تقليل الدعم الحكومي، مؤكدا أن ما جرى عام 1977 من احتجاجات أوقفت رفع الأسعار صار فزاعة لكل الحكومات التالية، مؤكدا أنه ماض في إجراءاته "الإصلاحية" حتى النهاية.

وبدا من بيان وزارة التموين الذي تعلن فيه إنقاص وزن رغيف الخبز أن هناك المزيد من الأعباء على "لقمة عيش المصريين"، إذ جاء في ختام بيان الوزارة أنه "يعاد النظر في هذه التكلفة -تكلفة إنتاج الخبزـ بداية كل عام مالي أو كلما اقتضت الحاجة أو الضرورة".

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أن الموازنة العامة تتضمن بند الدعم السلعي والمعاشات بنحو 329 مليار جنيه (الدولار نحو 16 جنيها)، نصفها تذهب للطعام وبطاقات التموين والمحروقات والمواصلات.

ويرى شاهين أن السيسي سيلغي قريبا الدعم بشكل كامل، وهو أمر صعب على الفقراء مقابل إثراء فاحش لطبقة محيطة به ومدافعة عنه، مع تدمير الطبقة المتوسطة المؤهلة للاحتجاج، مضيفا أن "الطبقة الفقيرة مطحونة ومغلوبة على أمرها، فيما الغنية مشغولة بتثبيت امتيازاتها بالوضع القائم".

تحذيرات من الانفجار
ويفسر مجدي حمدان نائب رئيس حزب الجبهة ثقة حكومة الانقلاب بفرض الزيادات على الأسعار في توالٍ مثير لغضب المصريين دون رد فعل باختلاف المناخ السياسي بين عهدي السادات والسيسي، إذ اشتد القمع اليوم عما كان في السبعينيات مصحوبا بموات تام للسياسة، فيما شهدت أيام السادات انفتاحا سياسيا نسبيا أتاح الحركة أمام المصريين.

ويرى حمدان أن حكومة الانقلاب تمرر رفع الأسعار بذكاء، إذ يصحو المواطنون على جملة متتابعة من الرفع دون فرصة لالتقاط الأنفاس، فيما يسعى الإعلام إلى إقناع المواطنين بأن أحوالهم أفضل كثيرا من دول لا يجد مواطنوها أساسا هذه السلع والخدمات.

ويحذر حمدان من أن المساس برغيف العيش تحديدا لن يمر مرور الكرام، وسيظل دائما فتيلا قابلا للاشتعال الشعبي، لافتا إلى أن زيادة جديدة في أسعار السلع المتماسة بشكل مباشر مع حياة البسطاء ستشعل الأوضاع، في ظل بطالة العمالة اليومية.

الشعب المطحون
وأثناء ترشحه لمهزلة انتخابات الرئاسة قبل 6 سنوات وعد السيسي بزيادة دخل المصريين قبل التفكير في زيادة الأسعار أو تخفيض الدعم الحكومي، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم، لكن بالمقابل زادت مرتبات ومعاشات منتسبي الجيش والشرطة والقضاء بشكل متوال منذ توليه السلطة.

هذه المفارقة -برأي إسلام الموظف في الحكومة- تكشف أن التعامل مع الفئات الحاكمة القادرة على إيذاء السيسي يختلف تماما عن التعامل مع عموم الشعب "المطحون العاجز عن التعبير والفعل".

وتظهر تلك المفارقة أيضا عبر التطور اللافت في خطب السيسي عقب زيادات الأسعار، حيث توقف نسيبا عن وعود انخفاض الأسعار، وانتقل لتقديم حلول تقليدية، مثل نصائح عدم شراء السلع أو عمل اشتراكات سنوية للمترو بعد زيادة أسعاره.

وتعكس هذه الطريقة "استخفافا بمعاناة الناس وانعدام وجود حلول لها لديه"، وفق صلاح الذي يعمل مشرفا على العمال في إحدى شركات المقاولات.

وقبل عام وعلى الهواء مباشرة، انتابت السيسي نوبة من الضحك الهستيري أثناء مشاهدته تدوينات المصريين بشأن رفع الأسعار وانهيار الطبقة المتوسطة.

واستفزت هذه الضحكات المصريين، فعبروا على مواقع التواصل عن استيائهم وغضبهم، غير أنها كشفت حينها عن ثقة بالغة لديه في انعدام رد فعل شعبي مقلق تجاه إجراءاته، وفق معارضين.

القمع هو الحل
بدوره، يعتقد الكاتب الصحفي سيد أمين أن معادلة الخبز مقابل الحرية انهارت بالفعل، لكن خبرات الأنظمة مع المصريين تقول إن القمع هو الضمان لاستمرار النظام، وليس تحسين حياة الشعب.

ويرى أمين أن القمع جاء بنتيجة لصالح النظام، وهو ما تطبقه السلطة الحاكمة حاليا بضراوة أشد، ومع الاستسلام الشعبي مضت في مزيد القمع ورفع الأسعار معا.

ويؤكد أن اليقين المترسخ لدى السلطة هو أن أي ارتخاء في القبضة القمعية يمكن أن يسبب لها مشكلات كبيرة، ولذلك فهي لا تسمح به، لضمان استسلام المصريين لإجراءاتها الاقتصادية الصعبة.