بقلم : مجدي مغيرة

إن إضعاف العالم العربي من خلال تمزيقه أو من خلال تسليط حكام مستبدين طغاة عليه ليذلوا شعوبهم ويمنعوها من التقدم والرقي يكاد يكون سياسة ثابتة للغرب منذ تخلى عن الاحتلال المباشر لتلك البلاد .

وبالطبع لا يشفع لهذه النظم خدماتها التي قدمتها لأمريكا من قبل طوعا أو كرها ، فما إن تستشعر الولايات المتحدة بعجز نظام ما أو رفضه تلبية طلباتها ؛ حتى تبادر بتدبير انقلاب عسكري عليه ، أو توجه له ضربة اقتصادية تقسم ظهره  ، أو تسعى لتفجير الفتن الطائفية أو المذهبية  أو العرقية بداخله ، أو تساعد في التخطيط لاغتيال رأس النظام ، وهناك أمثلة معروفة في عالمنا العربي منها :

1-    جمال عبد الناصر الذي اتفق مع المخابرات الأمريكية على تدبير انقلاب عسكري يزيح النظام الملكي ، ثم يتخلص بعده من القوى الإسلامية التي تقف حجر عثرة في طريق التمكين لدولة إسرائيل الجديدة وإقامة علاقات طبيعية بينها وبين مصر ، وبعد أن حقق عبد الناصر الكثير مما حلمت به أمريكا وربيبتها إسرائيل  أنزلوا به هزيمة مدوية في  الخامس من يونيو 1967م قسمت ظهره و جعلته عاريا أمام الجماهير التي انخدعت به ، حتى قال بعض المعلقين الغربيين : " لقد مات عبد الناصر في يونيو 67 ، وتم دفنه في  سبتمبر ١٩٧٠" .

2-    صدام حسين الذي حقق هدف أمريكا وإسرائيل بإشعال حرب مجنونة بينه وبين إيران (من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988 ) ، بخسائر بشرية تقدر بمليون قتيل ، وخسائر مالية بلغت نحو400 مليار دولار أمريكي ، ثم نصبوا له فخا ماكرا ، وزينوا له احتلال الكويت ، ولما وقع في المصيدة حاربوه ودمروا معه العراق ، ثم أخيرا قبضوا عليه وحاكموه ، ثم أعدموه فجر عيد الأضحى الموافق 30/12/2016م .

3-    معمر القذافي مجنون ليبيا الذي عادى أمريكا وأوربا في العلن ، وصادقهم في السر ، وأذل الشعب الليبي ، وأهدر أمواله في مغامرات مجنونة ، ولما ثار الشعب الليبي ضده كان للمخابرات الفرنسية دور كبير في كشف مخبئه للثوار مما مكنهم من القبض عليه وقتله بالطريقة التي رآها العالم أجمع .

 

و الغرب لا يمانع أبدا من العودة للاحتلال المباشر إذا شعر بعجز هؤلاء الطغاة المستبدين في تحقيق مخططاته.

يقول برنارد لويس ( صاحب أخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب ، والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية عام 1980م ) في مقابلة أجريت معه في 20/5/2005م قال الآتي بالنص:  

"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون ، لا يمكن تحضرهم ، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات ، وتقوِّض المجتمعات ، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم ، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية ، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة ؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان .

 إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية ، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم ، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك إما أن نضعهم تحت سيادتنا ، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا ، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية ، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية - دون مجاملة ولا لين ولا هوادة - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة ، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها ، واستثمار التناقضات العرقية ، والعصبيات القبلية والطائفية فيها ، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".

 

ومن الأدوات التي استخدمها الغرب ليظل عالمنا العربي ضعيفا ذليلا ما أطلقوا عليه اسم "الفوضى الخلاقة" ، وقد ظهر هذا المصطلح في أدبيات الماسونية قديما ، ثم ظهر على لسان خبراء السياسة الأمريكان ، وأبرزهم كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية التي صرحت مطلع عام 2005م أنّ الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط ، في سبيل إشاعة الديمقراطية.

وتقوم هذه النظرية على إشاعة الفوضى والدمار والقتل وسفك الدماء ، بل وتمزيق الدول حتى يمكن لأمريكا تحقيق أهدافها التي لم تتمكن من تحقيقها حال كان نظام الحكم في دولة ما يرفض الاستجابة لرغبات أمريكا أو يعجز عن تحقيق تلك الرغبات .

 

ولكن هل حققت تلك الفوضى أهداف أمريكا والغرب في منطقتنا ؟ وهل يمكنهم فعلا العودة بجيوشهم لاحتلال بلادنا ؟

 

الواقع يقول أن نجاح الغرب في مخططاته الماضية كان نجاحا مؤقتا ، وقد أعقبه فشل ذريع في تحقيق الكثير من الأهداف ، بل وخَلَقَ مشكلاتٍ ضخمةً لأمريكا والغرب وإسرائيل لا يعرفون كيف يتخلصون منها ، ولا يدرون ما الثمن الذي سيدفعونه جراء فشل مخططاتهم .

 

فقد نتج عن تلك المخططات  نتائج كارثية لأوربا وأمريكا منها :

·        كراهية كثير من الشعوب العربية والإسلامية للغرب بقيادة أمريكا ليقينهم بمسؤوليته عن تخلف دولهم وتسلط الحكام المستبدين عليهم ، وتلك الكراهية تنذر بثورات مزلزلة لا تبقي ولا تذر سيكون ضحيتها – ولاشك – كثير من حكام العرب الذين حققوا الكثير من مخططات أمريكا والغرب في المنطقة وعلى رأسها التمكين لإسرائيل في المنطقة .

·        ظهور جماعات إسلامية متطرفة تحمل فكرا مشوها ، وتدعوا إلى محاربة الغرب داخل وخارج أراضيه من خلال التفجيرات والاغتيالات ، ونظرا للظلم الواقع على الشعوب ، فقد استجاب الكثير من الشباب لتلك الجماعات وانضم إليها رغبة في الانتقام .

·        الهجرات الجماعية الضخمة من الدول العربية إلى الغرب التي تمثَّل خطرا شديدا على الخصوصية الثقافية له ، حيث إن تلك الهجرات الكبيرة ستساعد على توطين الدين الإسلامي واللغة العربية في قلب أوربا ، وهو ما تخشى منه أوربا منذ زمن الفتوحات الإسلامية وخصوصا في زمن الدولة العثمانية .

·        الفوضى الكبيرة التي ستحدث حال تمزقت بعض الدول العربية - كما خططت لذلك إسرائيل وأمريكا – ستفتح المجال لمزيد من الهجرات الجماعية إلى الغرب ، كما ستفتح المجال أمام الكثير من الجماعات الإسلامية ( متطرفة وغير متطرفة ) إلى الوصول إلى سيناء وفتح جبهة قتال ضد إسرائيل ، وبالطبع ستعجز إسرائيل عن مواجهتهم كما عجزت عن القضاء على حماس في غزة رغم الحصار الدولي الخانق عليها .

·        خسائر مادية وبشرية ضخمة فقدتها أمريكا جراء احتلالها المباشر لبعض الدول العربية والإسلامية ( العراق – أفغانستان ) .

حينما ننظر إلى تلك المصائب التي تتوالى على الغرب الآن وغدا وبعد غدٍ جراء سياساته الإبليسية ضد العالم العربي نتذكر قول الله تعالى : {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }   فاطر (43).