بقلم : مجدي مغيرة


1-    قالوا لك أن جميعَ حكامِك على مدى التاريخ القديم والحديث لصوصٌ ومستبدون وطغاة ، حتى صار المصريون يرددون مقولة أن مصر يتم نهبها منذ سبعة آلاف سنة وما زالت خيراتها لا تنتهي .
·         وإنما قالوا لك ذلك ليستقر في عقلك ألا فائدة من تغيير الحكام حيث سيذهب لصٌ ويأتي مكانه لصٌ آخر ، ولتستنتج حُكما مفادُه : لصٌ سَرَقنا حتى الشبع ونعرفه أفضلُ من لصٍ لا نعرفه ولم يشبع بعد ، وقد صدق كثيرٌ من المصريين تلك المقولة ، ونسوا الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما -  قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " لو كان لابنِ آدمَ وادِيَانِ من ذهبِ لابْتَغَى ثالثًا ولو كان له ثالثًا لابْتَغَى رابعًا ولا يَمْلَأُ عَيْنَ ابنِ آدمَ إلا الترابُ" .

·        والحقيقة أن مصر عاشت أزهى أيامها في ظل الدولة الإسلامية حيث الأمن والعدل والوفرة في الخيرات حتى قال  ابنُ خلدون عن القاهرة في زمن المماليك : "من لم يرَ القاهرة لم ير عزّ الإسلام "، وذكر علماء الحملة الفرنسية في كتاب " وصف مصر " أن التاجر المصري كان يترك دكانه مفتوحا وقت صلاة الظهر ليصلي في المسجد ، وبعد الصلاة يذهب إلى بيته ليتناول غداءه ثم ينام ، دون أن يترك حارسا لدكانه المفتوح ، ويتعجبون أن أحدا من المارة لا يفكر أن يستغل ذلك ليسرق من الدكان ما شاء ، بل كان التاجر المصري في سوق الجملة يكتفي بصفقة واحدة يربح منها ثم يعود إلى بيته ، فسألوا أحدهم لم لا تعقد أكثر من صفقة ليزداد ربحك ؟ فيرد عليهم : ربحتُ ما يكفيني وأترك المجال لغيري ليربحَ كما ربحتُ أنا .

ووصف ابنُ بطوطة في رحلته المعروفة أرضَ مصر بكثرة الخيرات التي لا أول لها ولا آخر من حدائق وبساتين وثمار وفاكهة وزروعٍ ممتدة على ضفتي النيل لا ترى نهايتها على مد بصرك .

2-    قالوا لك أن الشعب المصري منذ القدم وهو شعب خائف ذليل جبان محروم ، يصفق دائما للحاكم الظالم ، ويبرر له ظلمه ، بل ويبالغ في خدمته وطاعته طاعة مطلقة ، ويتمرد إذا أحسنت إليه .

·        ولو قرأنا التاريخ الصحيح ( وليس التاريخ المزيف الذي قرروه على طلاب المدارس ، أو التاريخ الذي كتبه العلمانيون الذين نسميهم زورا وبهتانا بالنخبة المثقفة ) لوجدنا أن المصريين لم يخضعوا للحاكم الظالم  ولم يطيعوه إلا بعصيانهم لله تعالى كما قررت الآية الكريمة عن فرعون " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " الزخرف (54)  ، فقد كان فسق المصريين وبعدهم عن الله تعالى هو سبب طاعتهم للفرعون واستخفافه بهم ، أما حين كانوا طائعين لله طاعة صحيحة لم يقبلوا ظلم حاكم ولا جور سلطان ، ونظرة سريعة على تاريخهم تبرهن على ذلك ؛ فقد كان مشايخ الأزهر قديما هم القادة الشعبيون الذين يقودون جموع الشعب في مظاهرات صاخبة تنتهي بمحاصرة قصر الوالي ولا يرفعون حصارهم حتى يتراجع الوالي عن قوانينه الظالمة ، ويكفيك قراءة تاريخ الجبرتي أو قراءة كتاب الثورات الشعبية في مصر الإسلامية للدكتور حسين نصار وقد طبعته الهيئة العامة لقصور الثقافة في سبتمبر عام 2002م .

يكفيك قراءة هذين الكتابين لترى كثرة ثورات المصريين على الولاة الظلمة ، وكم تراجع هؤلاء عن ظلمهم خوفا من غضب الشعب وقادته عليهم .

3-    قالوا لك أن المصريين لم يستردوا كرامتهم وحريتهم إلا مع حكم العسكر بدءا من جمال عبد الناصر الذي كان يردد مقولة : " ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد " .

·        وفي الحقيقة فإن المصريين لم يروا ذلا ولا قهرا ولا خوفا ولا تعذيبا في السجون والمعتقلات ولا تلفيقا للتهم والقضايا ولا كبتا للحريات ولا فقرا في المعيشة إلا في عهد عبد الناصر وعهد أسلافه ( باستثناء فترة الرئيس محمد أنور السادات التي خف فيها الظلم قليلا ولكن لم ينته ) ،ورغم معاناة المصريين في ظل حكم محمد علي إلا أن فترة الحكم العسكري من عام 1952م تفوقت عليه في إذلال المصريين بمراحل  ، ويكفيك أن تعرف أن مصر لم تعرف التطرف الديني وغير الديني إلا في عهد حكام العسكر ، وقد قرَّرَ كثيرٌ من المفكرين والباحثين أن هذا التطرف وذاك الإرهاب إنما هو رد فعل من بعض  الناس ضد إرهاب الدولة وظلم الدولة ، ولو انتهى إرهاب الدولة وظلمها وقهرها لانتهى معه إرهاب الأفراد والجماعات .

أيها المصريون

الحرية جوهرة لا ينالها الكسالى والقاعدون والمتفرجون .

للحرية ثمن لابد من دفْعِه أولا لتأتيك حريتُك ثانيا .

إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد أن يستجيب القدر

ولا بـد لليــل أن ينجلــــــي ولا بـد للقيـــد أن ينكســر

ومن لـم يعــانق شوق الحيـاة تبخر فـي جوهــا وانـدثر

ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفـر