بقلم / محمد عبد الرحمن صادق  

 - إن أبسط تعريف للظلم هو : ( وضع الشيء في غير موضعه ) وكلمة الظلم ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة وعشرين مرة . وهناك أنواع متعددة للظلم فالشرك ظلم ، والجحود ظلم ، والكذب ظلم ، وكتم الشهادة ظلم ، وأكل الحقوق ظلم ، وتعطيل الحدود ظلم ، وتعدي حدود الله ظلم ، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ظلم . ومن هنا شرع الحق تبارك وتعالى مقاومة الظلم والظالمين بصفة عامة . قال تعالي : " ... وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {251} " ( البقرة 251 ) .
- وفي السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تأمرنا بالكف عن الظلم وتأمرنا كذلك بمقاومة الظالمين . فلقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله " ( رواه الحاكم ) .
- وقال ابن تيمية رحمه الله : " إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الظالمة وإن كانت مُسلمة إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام " .
 - ومن المُسَلَّم به أن مقاومة الظلم والعدوان قضية فطرية في الإنسان وغريزة في الحيوان . قال تعالى : " ... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} " ( الحج 40 ) .
- ولقد اتفقت الأديان السماوية والقوانين الوضعية والنظريات الفلسفية علي مشروعية مقاومة العدوان والتصدي له دفاعاً عن النفس وإحقاقاً للحق . ولقد أقر الإسلام مشروعية المعاملة بالمثل قال تعالى : ".. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {194} " ( البقرة 194 ) .
أولاً : ثوابت في مقاومة الظلم والظالمين
* هناك العديد من الثوابت التي يجب أن نعيها جيداً قبل أن نشرع في مقاومة الظلم والظالمين حتى لا تُبدد الجهود وحتى لا نُسيء أو نُفسد من حيث لا ندري :-
1- يجب أن نعي جيداً أن المقاومة في الأصل هي مقاومة الأفعال قبل أن تكون مقاومة الأشخاص وأن الغرض منها الإصلاح فربما يتحول الظالم نفسه إلي عادل فقد مارس الظلم وأدرك مساوئه فإذا علم واقتنع بأن العدل فيه مصلحته قبل مصلحة الآخرين فإنه سيتحول وما ذلك على الله بعزيز . ولكن كراهية الأشخاص تستبطن إقصاء يؤدي إلى دمار في النهاية . وهذا ما رسَّخه النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا الله عز وجل قائلاً : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام " .
2- لابد وأن ندرك أن الظلم لا ينتهي بالتخلص من ظالم أو بعودته لرشده كما أن الحق لا ينتهي بموت صاحب حق أو بتساقطه فالأيام دُوَل والمعركة بين الحق والباطل سِجَال إلى يوم القيامة .
3- الظلم من أشد المنكرات ولذلك فإن مقاومة الظلم واجبة على الجميع ولا يُعفى منها أحد كل حسب طاقته وإمكانياته وأقلها إنكار الظلم وعدم ممالئة الظالمين أو الركون إليهم أو استحسان ما يمارسونه من ظلم مهما كان من وقع عليه هذا الظلم فالله تعالى عندما حَرَّم الظلم ونهى عنه لم يستثني أحداً .
ثانياً : الغرض من مقاومة الظلم والظالمين :
* إن مقاومة الظلم مٌبررة ومشروعة ديناً وعقلاً وقانوناً لعدة أمور مثل :-
1- إن الإسلام أمرنا بمقاومة الظالمين وجعل من يموت دون حق من حقوقه شهيداً .
2- حفظ الكرامة الإنسانية حيث أن الإسلام يرفض الاستكانة والخنوع .
3- الحفاظ على سُنة الاستخلاف التي من أجلها خلقنا الله عز وجل .
4- الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ففي ظل الظلم تسُود الحروب وتُنتهك الحُرُمَات ويُعرقل الإنتاج .
5- تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات فهضم الحقوق له غُصَّة في الحلق لا يشعر بها إلا من يتجرعها ولا يهدأ صاحب هذه الغُصَّة حتى يسترد حقه ممن ظلمه .
6- إن الإسلام دين السلام ولن يكون هنالك سلام إذا انتشر الظلم فمقاومة الظلم لبسط السلام مقصد من مقاصد الإسلام الشرعية .
ثالثاً : وسائل مقاومة الظلم والظالمين
 - التعمق في دراسة أحداث التاريخ يؤدي إلي اكتساب خبرات وخيارات ووسائل متعددة لمقاومة الظلم واسترداد الحقوق المسلوبة مثل :-
1- نشر الوعي : لكي يُدرك الإنسان أنه مظلوم ويحدد من الذي ظلمه وما هو نوع الظلم الذي وقع عليه ليقرر بعدها خيارات المقاومة لأن الظالم يستفيد من جهل الناس بمظالمهم فيستمر في غيه دون خوف . أما عندما يتم فضح مؤامرات الظالمين وتعريتها فلا ينخدع بهم الناس وبحيلهم الماكرة وأساليبهم الناعمة الخادعة .
2- التحرر من الخوف : وذلك يكون بالعمل على تسفيه رموز الظلم وبيان حقيقتهم حتى لا يهابهم الناس وليعلم الجميع أن الباطل مهما انتفش فهو ضعيف جبان وأنه يحمل بين جنبيه عوامل هلاكه . يقول الكواكبي : " إن الاستبداد يُحَوِّل ميل الأمة الطبيعي من طلب الترقي إلي طلب التسفل بحيث لو دُفعت إلي الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور " . لذلك اهتم الأنبياء والمصلحون بتحرير شعوبهم من رق الوثنية والاستعباد قبل الإقدام والمقاومة .
3- التخطيط ومعرفة قدرات الخصم ونقاط قوته ونقاط ضعفه ، وكذلك معرفة قدرات المقاوم ليوظفها توظيفاً صحيحاً تمكنه من شل قدرات الظالم وإضعافه فالتخطيط يُقسِّم المقاومة إلي مراحل كل مرحلة تؤدي إلي التي بعدها حتى يتحقق الهدف ، والتخطيط كذلك يحدد أولويات المواجهة وبأي النقاط نبدأ . قال تعالى : " وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ {12} " ( التوبة 12 ) . أما الانفعال وإسقاط تجارب الآخرين دون إدراك للواقع فإنه يعتبر تصرف أهوج لا يقتل عدواً ولا ينقذ صديقاً بل سيُمَكِّن الظالم من الاستمرار . يقول الشيخ أحمد ياسين رحمه الله : " القوي مها كان قوياً فان فيه نقطة ضعف والضعيف مهما كان ضعيفاً فان فيه نقطة قوة فإذا التقت نقطة القوة عند الضعيف بنقطة الضعف عند القوي انتصر الحق على الباطل " .
4- التعقل وعدم التهور أو الاستدراج لمرحلة أنت غير مستعد لها : فالمستبد يود لو فرض عليك أسلوب مقاومته فهو يُحَضِّر نفسه ويُسخِّر موارد البلاد للمواجهات العنيفة فليس من الحكمة أن نواجهه بما يتفوق فيه ولكن المقاومة التي تشل قدرته وتُضعف همته مثلما فعلت انتفاضة الحجارة وانتفاضة السكاكين وغيرهما .
5- اعتزال الظالمين ونبذهم وعدم الركون إليهم : إن الظالم يُحيط به الخوف من كل جانب ، فعندما يعلن المظلومون رفضهم لظلمه فإن ذلك يزيده خوفاً ويدفعه للتراجع ، ولقد حث الإسلام على اعتزال الظالمين ومقاطعتهم قال تعالى : " وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113} " ( هود 113 )  .
6- اليقظة لمحاولات الإغراء والاستقطاب : إن الظالمين في كل زمان يسعون لاستقطاب بعض الناس بالترغيب والترهيب ولكنها محاولات لا قيمة لها إذا كانت الشعوب واعية بمظالمها وحقوقها واتفقت علي أهدافها . ولنا الأسوة الحسنة في النبي صلى الله عليه وسلم عندما فطن لمساومات وإغراءات قريش فردهم خزايا مدحورين . وعندما اشتعلت الثورة المهدية في كل السودان أرسل ( غردون ) إلي ( الإمام المهدي ) خطاباً يُعيِّنَه فيه حاكماً على ( كردفان ) فرد عليه الإمام المهدي قائلاً : " لسنا في كسروية كسرى ولا قيصرية قيصر ولا باشوية باشا ولا مديرية مدير ولا حاجة لي بالسلطنة والملك والجاه إنما نحن في وظيفة مهدية " .
7-  العمل على توحيد الجهود وتقوية الصفوف لمقاومة الظالمين دون التنازل عن مبدأ أو الاعتراف بباطل : قال تعالى : "  فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ {8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ {9} " ( القلم 8 – 9 ) ولأن الله تعالى يقول أيضاً : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ......... {103} " ( آل عمران 103 ) وقال تعالى : ".... وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {36} " ( التوبة 36 ) . ويدخل في هذا الجانب أيضاً تكوين الأحلاف والتكتلات التي من شأنها النيل من الظلم وتهديد وجوده بل والقضاء عليه .
8 - مقاطعة أعوان الظالمين الذين يُعتبرون شرايين الحياة بالنسبة لهم : فيجب إعلان المفاصلة الواضحة لأعوان الظالمين – أفراداً ومؤسسات وهيئات ودول - من أول لحظة حتى يرتدعوا ويرجعوا عن باطلهم وحتى تجف هذه الشرايين فنُعجل بزوال الظلم وأهله .
- هذه بعض الوسائل التي فتح الله علينا بها ومن المؤكد أن هناك الكثير والكثير من الوسائل الأخرى فصاحب الحق لا يكف عن الابتكار والتجديد والإبداع لدحر الظلم والقضاء عليه . والفطن هو الذي يعرف بأي الوسائل يبدأ ويتعامل مع المواقف بالحكمة التي تمكنه من تحقيق أقصى ما يريد بأقل الجهود والخسائر .
رابعاً : خاتمة وتوصية : بعد أن طوفنا حول الظلم ومعناه ومشروعيته وعرفنا أنواعه والغرض من مقاومته وكذلك وسائل مقاومته ما بقي لنا سوى أن نتواصى بـ :-
- تجنب الظلم في أنفسنا حتى لا نقع تحت مسمى الظالمين وحتى لا تُسَد أمامنا أبوب السماء فتتبدد طاقاتنا وتضيع مقاومتنا ونحن لا ندري . قال ميمون بن مهران : في قوله تعالى : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42} " ( إبراهيم 42 ) قال : " تعزية للمظلوم ، ووعيد للظالم " وقيل : لما حُبس بعض البرامكة وولده قال : يا أبت ، بعد العزِّ صِرنا في القيد والحبس . فقال : يا بُني ، دعوة مظلوم سَرَت بليل غفلنا عنها ، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها . وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هِبْتُ أحدًا قطُّ هيبتي رجلاً ظلمته ، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله ، يقول لي : حسبي الله ، الله بيني وبينك .
- ولنوقن أنه مهما تكالبت قوى الظلم والبغي للنيل ممن يدافعون عن شرف هذه الأمة فالله تعالى للظالمين بالمرصاد سيُبطل سِحرهم وكيدهم وتدبيرهم ..... وما ذلك على الله بعزيز .   
- وعلينا مُدارسة سِيَر العلماء والصالحين والمُصلحين الذين اشتُهِر عنهم مقاومة الظلم والظالمين .
- وهذا ما سنتناوله في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى .