أحمد لطفي سليمان

(الله غايتنا) ..ذلك الشعار الذي التقطته آذاننا منذ زمن بعيد فتعلقت به أرواحنا، واشرأبت إليه نفوسنا، وتشبعت به عاطفتنا، وارتضته عقولنا وقلوبنا شعاراً وغايةً ومنهاجاً للحياة، متمثلين قول الله تعالى (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) سورة آل عمران.
   ثم  تعاقبت الأيام وتباعدت السنون، فكبر الصغير، وشاب الكبير، وتزوج الأعزب، وأنجب المتزوج، واغتنى الفقير، وانشغل الخالي، وكثرت الأولاد والمشاغل والهموم، وعرف المال طريقه إلى قلوبنا مثلما أدرك سبيله إلى جيوبنا، ومرت كثير من المياه تحت جسور سنوات عمرنا..
 ثم ربما وقعت عين أحدنا في غمرة انشغاله على هاتين الكلمتين، فارتد مشدوها كأنما يراها لأول مرة، أو كأنما يقابل صديقا لم يره منذ زمن بعيد، فبدا له أن يتوقف وقفةً يراجع فيها نفسه ويتساءل: أين أنا من هذا الشعار الكريم؟ هل ما زلت سائراً على الدرب صادقاً لم أقصر أو أتخلف أو أتنحى أو أنحرف؟ أم تحولت هذه الغاية النبيلة إلى كلمات فاترة ترددها الألسنة دون رصيد حقيقي في القلوب، أو مظاهر واضحة في الأعمال والسلوك ؟
 قال تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون) سورة الحديد، وقال تعالى (قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا) سورة سبأ.
   فهل ما زال إرضاء الله تعالى ومرافقة نبيه في أعلى جنان الخلد هي الغاية الكبرى التي تصب فيها أنهار أعمالنا وأفكارنا وهمومنا؟ وهل لا تزال هي الكعبة التي تطوف حولها حياتنا؟ وهل يعتبر كل منا نفسه وقفاً لله تعالى متمثلاً في ذلك قوله (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) سورة التوبة ؟
  ينطلق المؤمن  الموقن بأن (الله غايتنا) في الدنيا محتسباً أعماله كلها خالصة لله تعالى، فعباداته كاملة متقنة يخلص فيها لله عز وجل ويعدد النوايا الصالحة في كل عبادة ليتعدد الأجر فيها..يصلي الفجر مع الجماعة..يحرص على صلوات الجماعة...يخشع في صلاته...لا يضيع النوافل...لا يفوته ورد يومي مع كتاب الله...يذكر الله صباحاً ومساءً...له حظ من قيام الليل...
  يسعى من استوعب أن (الله غايتنا) في الدنيا في طلب الرزق محتسباً النية الصالحة (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه، وإليه النشور) سورة الملك.، يقدم صورةً طيبةً وأسوةً حسنةً للمسلم الملتزم، ويكفل نفسه ويكفيها الحاجة لغيره، ويفرج كربات عباد الله وييسر عليهم ويقدم يد العون لهم في عمله ووظيفته.
  يعلم أن له دوراً نحو دينه، تعلمه من قول الله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين) سورة يوسف، وقوله (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) سورة فصلت، فيتحرك بالدعوة إلى الله تعالى جاعلاً من نفسه قدوة طيبة وأسوة حسنة ، وناشراً الخير والفضائل حوله، ومساهماً في قطار الدعوة الطويل بنصيب كبير أو صغير، لا يفتر أو يقصر أو ينسحب اويتنازل، يعلم سنة الله في الدعاة والدعوات، ويدرك سنة التمكين والابتلاء، لا يشغل نفسه كثيراً باقتطاف ثمرة النتائج ويهتم فقط بغرس بذرة الاسباب، يعلم أن النصر الحقيقي هو ثباته على مبدئه حتى يلقى ربه مؤدياً كل ما عليه وموقناً أن الله يحاسبه على المجهود لا على النتائج (فإما نرينك بعض الذي نعدهم او نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) سورة الرعد
  يحمل هم المسلمين في كل مكان، وينشغل بالتفكير في كيفية نصرة كل قضية من قضاياهم في كل بلد من بلدان المسلمين...
  يؤمن أن الفرد المسلم والبيت المسلم هم الخطوات الاولى للتمكين لدين الله في الارض وتكوين المجتمع المسلم والامة المسلمة، فلا ينشغل عن بيته وزوجته وابنائه، ملتمساً في ذلك القبس الإلهي الجليل (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) سورة طه ، وقوله (وأنذر عشيرتك الاقربين) سورة الشعراء
 وأخيراً وليس آخراً، يدرك أن الله هو غايته ومرجعه  في الآخرة دون اختيار، مثلما هو غايته في الدنيا بالاختيار...قال تعالى: (وأن إلى ربك المنتهى) سورة النجم، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) سورة الانشقاق، فهو يكدح في الدنيا جاعلاً رضا الله غايته إلى أن يلاقي ثمرة هذا الكدح في الآخرة ويلاقي ربه الذي يكافؤه على كدحه في الدنيا..
  هذه لمحات من المعاني الكثيرة التي تشع من هذا الشعار العظيم (الله غايتنا) ينبغي أن يعود إليها الأخ المؤمن الداعية بين الحين والآخر يجدد معها النية والعزيمة ويستغفر عن أي تقصير أو فتور بشري أدركه مع الايام، فيمضي على الدرب مردداً (وعجلت إليك رب لترضى)..
فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأعنا على ما تحب وترضى، وخذ بنواصينا للبر والتقوى، وارزقنا عيشة تقية نقية هنية وميتة سوية ودرجة علية ومردا غير مخز ولا فاضح، اللهم آمين