خميس النقيب 
 
الحج رحلة روحية ودلالة رمزية وشعيرة تعبدية تنقل العبد الي افاق عالية واخلاق ربانية فيرجع من رحلته كيوم ولدته امه ..!! (من حجَّ فلم يرْفُثْ 
 
ولم يفْسُقْ رَجَعَ من ذنوبه كيومَ ولدته أمه)) متفق عليه 
 
الحج قوة روحية بالذكر والدعاء وقوة اقتصادية بالبيع والشراء وقوة اجتماعية بالحب والاخاء وقوة سياسية بالتشاور وجمع الآراء 
 
أيام الحج العمل الصالح فيها  أحب إلي الله منها في أي ايام اخري        ...عن بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ما من أيام 
 
العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل 
 
خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء...  قال الشيخ الألباني : صحيح ...!
 
  موسم من مواسم الطاعة ، وعمود من أعمدة الدين ، وركيزة من ركائز الإسلام ، شعائر ومشاعر ، يجب أن يعيشها المسلم  ليأخذ منها الدرس 
 
والعبرة ، ويستخلص منها السلوك والتطبيق ، في هذا الموسم تزدان الأرض بوفود الحجيج ، وتضيء السماء بنور الملأ الاعلي ، وتتألق الكعبة ، 
 
وسط الدنيا  ، صرة  الأرض ، ومركز المعمورة ، وبؤرة التقي والصلاح، و مصدر النور و الإيمان ،ومنبع الصفاء والنقاء...!!
 
فاذا كان الحج باهظ التكاليف فانه باهر النتائج عظيم الاثر ... كيف؟ !!  الحج برهان عملي يقدمه المؤمن لربه ولنفسه، على أن تلبية دعوة الله 
 
بدافع محبته، وابتغاء رضوانه، أفضل عنده من ماله، وأهله، وولده، وعمله، ودياره، ومما تتميز به هذه العبادة أنها تحتاج إلى تفرغ تام، تصلي 
 
وأنت في بيتك، وأنت في بلدك، وأنت في عملك، وأنت في وظيفتك، وأنت في تجارتك، لكن هذه العبادة تحتاج إلى تفرغ تام، فلا تؤدى إلا في بيت 
 
الله الحرام، إذاً لا بدّ من مغادرة الأوطان، وترك الأهل والخلان، وتحمُّل مشاقِّ السفر، والتعرض لأخطاره، وإنفاق المال في سبيل رضوانه، اانها 
 
عبادة قد تكون باهظة التكاليف لكنها عظيمة النتائج  كيف؟ !!           ((...الحج يهدم ما كان قبله))  أخرجه كسلم       وقال :   ((الحج المبرور 
 
ليس له جزاء إلا الجنة))       [متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
 
وقال أيضا        ((الحُجَّاجُ وَالعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ، إِنْ سَأَلُوا أُعْطُوا، وَإِنُ دَعَوْا أُجِيبُوا، وَإِنْ أَنْفَقُوا أُخْلِفَ عَلَيْهِمْ))
 
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:       ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب))
 
واذا تحدثنا عن الرمزية في الحج نجد ان  الاحرام   ، وهو أول المناسك ـ ماهو إلا التجرد من شهوات النفس ونزعات الهوى، وحبسها عن كل ما 
 
سوى الله، وعلى التفكير في جلاله كما انه يسوي بين الغني والفقير والكبير والصغير والخفير والوزير والحاكم والمحكوم والابيض والاسود الكل 
 
في لباس واحد بصوت واحد نحو قبلة واحدة ..!! 
 
 وما التلبية إلا شهادة على النفس بهذا التجرد، وبالتزام الطاعة وتلبية الدعوة والامتثال لامر الله،  رمز للذاتية والمسارعة والمبادرة ..!! 
 
 وما الطواف بعد التجرد إلا دوران القلب حول قدسية المكان  وعظمة الزمان وحكمة الخالقفي دعوته لخلقه ليلتقوا في هذا المكان ليطوفوا بالبيت 
 
العتيق وليشهدوا منافع اهم .!!    ، صنع المحب الهائم مع المحبوب المنعم، الذي ترى نعمه، ولا تدرك ذاته .
 
 وما السعي بعد هذا الطواف إلا التردد بين علمي الرحمة التماسًا للمغفرة والرضوان وابتهاجا برضي الرحمن واقتداء بخطي المصطفي العدنان 
 
واستذكارا للنبيان الكريمان " واذ يرفع ابراهيم القواعد من اابيت واسماعيل ربنا تقبل منا ....." البقرة وعبدا بموقف هاجر عليها السلام " ان 
 
الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهماومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم " البقرة 
 
 وما الوقوف بعد السعي إلا بذل المهج في الضراعة بقلوب مملوءة بالخشية، وأيد مرفوعة بالرجاء، وألسنة مشغولة بالدعاء، وآمال صادقة في 
 
أرحم الراحمين في اعظم مشهد علي وجه الارض فوق جبل الرحمة وبالقرب منه الله تعالي ينشر رحمته  ينزل فضله ويطهر عبده ...!! 
 
 وما الرمي بعد هذه الخطوات التي تشرق بها على القلوب أنوار ربها، إلا رمز مقت واحتقار لعوامل الشر ودعاة الشر من الانس والجن وما اكثر 
 
الشيتطين الجديرين بالرجم والمقت في هذه الايام ، ان الرجم ما هو الا رمز مادي لصدق العزيمة في طرد الهوى المفسد للأفراد وقتل الوسواس 
 
الخناس المعني بزرع الشك وشق الصف وتمزيق الجماعات وتخريب المجتمعات ..!! 
 
 وما الذبح ـ وهو الخاتمة في درج الترقي إلي مكانة الطهر والصفاء ـ إلا إراقة دم الرذيلة بيدٍ اشتد ساعدها في بناء الفضيلة، ورمز للتضحية 
 
والفداء على مشهدٍ من جند الله الأطهار الأبرار"
 
فالحج اذن بشكلٍ مختصر أن الله سبحانه وتعالى يقول لك: أن يا عبدي تعالَ إليّ أمَّا الصلاة، فصلِّ وأنت في بيتك، وأنت في بلدتك، وأنت بين 
 
أهلك، وأنت في مجتمعك وأنت بين قومِك، والزكاة، ادفع من مالك، والصوم، دعِ الطعام والشراب، لكن الحجَّ تعالَ إليّ، كما قال الله عزَّ وجل على 
 
لسان سيدنا إبراهيم:     ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) ﴾
 
 إنّ الإنسان يسافر بدافع التجارة، وقد يُسافر بدافع التعلم، وقد يسافر بدافع الإستجمام والسياحة، فالحج بشكلٍ أو بآخر رحلةٌ إلى الله عزَّ وجل، تعالَ 
 
إليّ واترك همهومك دع عنك هذه الشهوات التي أثقلت ظهرك وتعال إليَّ، دع هموم المعاش في بلدك وتعالَ إليّ، دع هموم العمل في بلدك وتعالَ 
 
إليّ، دع هموم صحَّتك في بلدك وتعالَ إلي، وأكثرُ الذين حجوا بيت الله الحرام يؤكِّدون هذه الحقيقة، وهذه حكمة الله البالغة .
 
 ان الهموم التي يحملها الإنسان في بلده سواءٌ أكانت هموم المعاش، أو هموم العمل، أو هموم الأُسرة، أو هموم الصحة، ُيجَمِّدُها الله سبحانه وتعالى 
 
كلها، ويريحك منها ما دمت في ضيافته في بيت الله الحرام، فهذه فرصة للإنسان لكي ينسلخ عن هموم الدنيا، خلِّ عنك وتعالَ، دع عنك الهموم 
 
كلها، تعالَ إليّ يا عبدي، فهو أمر إلهي صدر من فوق سبع سماوات ..!!
 
إنها مشاعر لا توصف ، وأحاسيس لا تكتب ، إنما يستطعمها الذي يؤديها ، ويحسها الذي يلبي نداءها ، ويستشعرها الذي يحضرها ، فينظر الكعبة 
 
،و يعانق الحجر ، ويصلي عند المقام ، يسعي كما سعت هاجر عليها السلام  ، ويضحي كما ضحي إبراهيم عليه السلام  ، ويطع كما أطاع إسماعيل 
 
عليه السلام  ، ويطوف كما طاف محمد عليه الصلاة والسلام  ، ويقبل الحجر كما قبل عمر رضي الله عنه ،  فقط عن حب ورغبة وإخلاص ، لعل 
 
قدم تأتي مكان قدم ، وطواف يأتي مكان طواف  ، وسعي يأتي مكان سعي ، فيزداد الإيمان و يكون الغفران  ، وينتشر الأمن ويأتي الأمان . اللهم 
 
ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا..!!! 
 
تقبل الله منا ومنكم وجزاكم الله كل خير وكل عام وانتم بألف خير ..