بقلم: محمد ثابت
    سرنا مع يوسف، عليه السلام، في رحلته إلى مصر مع عجيب نفوس بشرية.. شكل متطرفها الواناً للطيف لسنا نراها في الأشياء، ويتفرد الإنسان بخاصة المصري ببعضها، وأكدنا إننا إذ نعرض لذلك نحرص على التعلم من التدقيق في رواية رب العزة عن "أهل مصر" في سورة مجمعة اغلبها دار في مصر، ومفردات القصة ليست متكررة في سورة أخرى، وإننا لنتمنى أن ننشغل بالدراسات المستفيضة، المؤسسية الحقيقية عن أهل مصر ..
                                        (1)
     في محطة السيارة التي أتت ب"يوسف" عليه السلام إلى مصر، كما امرأة العزيز توقفنا عند نفس بشرية يغلب عليها طابع حب الاسئثار بما تراه محاسناً من الحياة ..بل كل ما تراه، ويستوي في هذا البسطاء في القافلة التي أتت به، عليه السلام، وامرأة العزيز، ووصلنا إلى إهانة الأخيرة لنفسها بالتدني لمحبة الاسئثار ب"فتى" طاهر محب للخير والانزلاق به في جحيم الشهوات، قبل أن تتوب إذ ورد في التفاسير إنها آمنت بيوسف، عليه السلام، فيما بعد، ولكننا إذ نسير في القصة نصل إلى محطة التنفيذ بعد التخطيط، "قد شغفها حُبّاً" كما وصفتْ النسوة حال امرأة العزيز معه، ولذلك أخذتْ زينتها، ونلاحظ إن آي الذكر الحكيم ورد فيه:"ورادته التي هو في بيتها عن نفسه..وغلقت الأبواب"، أي إنها تعجلت المراودة حتى قبل تمام "غلق" لا إغلاق الأبواب، أي الإمعان في الغلق، لقد دارتْ في فلك الشيطان، واستجابتْ لندائه تماماً.. فلكأنه يتنفس عبر جوفها ولسانها، ولم تستح أن تدعوه إلى نفسها باللفظ الذي نقله القرآن الكريم في أروع كمال تهذيبي، من آسف كثير من الأدباء المصريين انزلق في تصوير مثل هذه اللحظة، ولله المثل الأعلى، بأقذع الالفاظ..
    الملمح الآخر الذي ربما لم ينل حقه من التناول إن امرأة العزيز لما تأبى عليها يوسف، عليه السلام، ووجدتْ نفسها أمام زوجها، وشاهد من أهلها قالت على "السليقة"، وبمنتهى "الجراة" "ماجزاء من أراد بأهلك سوءً إلا أن يُسجن أو عذاب اليم".. إنها بالضبط نعرة السلطة الكاذبة، وعنجهيتها المتكبرة الزائفة، وبجاحتها المتآمرة وقد تحالفوا مع "كيد امرأة مصرية متسلطة"، أرادت التخلص من الموقف باتهام يوسف، عليه السلام، به.. ورغم حالة الضعف الشديد التي كانت عليها ..بما يناسب أمر الشهوة ومحاولتها استدعائها، بل المطاردة "واستبقا الباب"، وتلاحق الانفاس من أثر الهرولة، إلا إن عنجهية من الكذب والكبر والحرص على البقاء في السلطة تدفقتْ فوق لسانها باتهام يوسف، عليه السلام، بإنه هو الذي يريد بها "سوءً".. إنها نفس الاتهامات التي توجه إلى الإخوان اليوم، سواء بسواء، ومع عدم تبرئتي لهم من الخطأ والزلل، إلا إن مجرمي الإنقلابيين يتغطون ب"مسوح" الشرف والذمة والكرامة ..نفس الملابسات القذرة البغيضة منذ قديم الزمان..
                                      (2)
    عزيز مصر!
يالها من "قصة" وليس رجلاً ..بما تعنيه مفردة "قصة" عند العامة، يُهدي إلى زوجته، وهو يعرف فرط نهمها للشهوات.. وحبها للتعرض إلى الفتن، يهديها غلاماً بالغ الجمال، وينشغل عنها طوال الوقت بالحكم، ويحكم القرآن الكريم عليه من خلال موقف واحد، زوجته مذنبة، حكم عليها بذلك واحد من أهلها، ورده بسيط جداً "يوسف اعرض عن هذا .. واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين" أين عقابها على ما فعلت؟ لا عقاب هناك ..مجرد لوم ليوسف، عليه السلام، على ما لم يقبل من الأساس، وطلب الاستغفار منها، إن الأمر لا يتوقف على عدم اكتمال رجولة أو حتى كونه "ديوثاً" بل يرتبط بأمر أكبر وأخطر .. إنه بالغ الحرص على استكمال مفردات السلطة .. بوجود الزوجة التي تتبادل الزيارات والحفلات مع نساء المسئولين من أمثاله، وهم جميعاً في النهاية غائبون عن الوعي وعن حكم بيوتهم بخمر الحكم، وسَكرة السلطة، وترعرع المال والنفوذ والجاه والسلطان، ورغم إن ملك مصر في تلك الفترة كان من الهكسوس أي غريب وافد إن "عزيز مصر" كان مثالاً بالغ السوء للمصري في السلطة، مثالاً لا يختلف عن انقلابي اليوم .. ولا الأمس إبان جمال عبد الناصر .. وروي عنه إن أعضاء مجلس "قيادة" الثورة قاوا له ذات مرة:
ـ لماذا لا تعب من خمر المتع مثلنا .. مال وخمر ونساء ..
فقال:
ـ خذوا كل شىء في مصر ودعوا لي شيئاً ..السلطة!
   درك عظيم من شهوات الأنفس كان لدى "عزيز مصر" .. وتدحرج حتى عبد الناصر وقادة إنقلاب اليوم .. وهو لا ينفي عنهم آيات الفساد الأخرى .. لكن يغرقهم في فساد أرفع وأعنف!
    على إن "عزيز مصر" المنشغل بما هو اكبر فائدة من "شرف زوجته" و"كرامة بيته" ..يدع يوسف، عليه السلام، في مكانه ويرى إن تسكين الأمور.. بعدم إثارة الزوابع حول ما حدث في بيته، بصورة رسمية، والاكتفاء بدلالة ترك يوسف، عليه السلام، في نفس المكان مع زوجته، وكأن هذا كافياً لاطمئنان الجميع حول "استتاب الأمور"..
     إننا أمام قصر "رئيس الوزراء" تماماً.. ورب العزة وضع يوسف،  عليه السلام، في قلب الحدث السياسي لينشا على إلمام بمفردات الحياة في مصر من أبعادها، لدينا هنا السلطة بمفرداتها الداخلية والخارجية، أما بقية مقومات الدولة فستأتي الآن  تداعياتها إلى اعتاب سيدنا يوسف، لكي يكون ملماً بها .. ولكي لا يتولى أمر السلطة على دخن..دون إلمام كامل بها.. وطوبى لمن فعلوا بأنفسهم غيرهذا، ألا غفر الله لشهيدهم.. ورحم مصابهم.. وخفف عن معتقلهم .. وجازى من زج بهم في هذه المحنة!
                                      (3)
    إعلام مصر على نفس المستوى من التدني منذ قديم الزمان، فساد وحرص على نشر الفضيحة، بخاصة في المستويات العليا من الدولة، نساء المسئولين وساكني القصور معهم، لكأنما نحن أمام عصر اليوم سواء بسواء، "وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسها قد شغفها حباً .. إنا لنراها في ضلال مبين.." انتقلت القصة .. كما هي من القصر إلى مجلس المنادمة القذر في المدينة كلها .. قال نسوة في المدينة، وليس من المدينة، فقد لفّ الخبر المدينة كلها، عملتْ فضائيات ذلك الزمان على ذلك، وتعمدت طبقة الحكام تركه لشغل الناس عن قليل الطعام والشراب الذين لا يجدونه، وغياب الأمن والأمان، والنسوة يعبن على امرأة العزيز ليس حبها ليوسف، عليه السلام، بل لمجرد كونه "فتاها" إنه الطبقية في "أبشع" و"أمر" صورها .. اتفق الجمع المالك للمال عليها .. لها أن تحب، ولو كان حباً محرماً .. ولكن ليس فتاها، أما رد امرأة العزيز ..فمان مناسباً لحماقتهن .. بل المشهد الرئيسي في القصة فليخرج عليهن يوسف، عليه السلام، ولتتسع دائرة الدعوة إلى الفجور، فهن إذ يرينه سيعذرن لها، وبذلك تخرج من متاهة لومهن، ثم إن الدعوة إلى ارتكاب الفاحشة إذ تزيد عليه فهو أدعى لإنغماسه فيها، فقد يكون زيادة الضغط عليه بجمع نسوة المدينة "الراقيات" أدعى لسقوطه في فخ "القذارة" حاشا ليوسف، عليه السلام..
    إنها السياسة العامة للدولة المخفاة عن الألسنة .. المشتعلة بها القلوب، الزنا والخنا والفجور قانون الطبقة العليا..ومَنْ لا يتم شراؤه بامرأة ..تعرض عليه مئات وأكثر من النساء .. وهي خطة معروفة .. وخطى معهودة يسيرون ويسرن بها وفيها .. رجالاً ونساء بالمال مثلما يفعلون بالفعل الفاحش ..
      إنك عند هذا الحد تكتشف كم هو هش ومزيف ذلك المجتمع الذي تعجلنا في إرادة حكمه .. وتغييره، وتحضرني القصة المعروفة من الاتيان بشرائط جنسية لمدير مكتب الرئيس مرسي، ولعلها أتت لمن هو أكبر في السلطة فقال:
ـ مشاهدتها لا المقايضة بها حرام ..
    مجتمع يتداعى تماماً .. ومقوماته بالغة القذارة، وأنت ترى أن النبل في التعامل معه قد يصلحه ويكفيك شره ..
   ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
نكمل في مرة قادمة بإذن الله ..
المقالات المنشورة تحمل وجهة نظر أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع