لم يكن الإفراج عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح حدثًا عابرًا أو استجابة متأخرة لمطالب حقوقية طال أمدها، بل جاء تتويجًا لمسار معقّد من الضغوط السياسية والدبلوماسية، وتشابك المصالح، وسلسلة تطورات غير متوقعة خارج الحدود المصرية، قلبت موازين معركة ظلّ سلطة عبدالفتاح السيسي تراهن فيها على عامل الوقت والإنهاك.
سنوات من الضغط.. بلا جدوى
على مدار سنوات طويلة، شكّل ملف علاء عبد الفتاح أحد أبرز ملفات حقوق الإنسان العالقة بين القاهرة ولندن. ورغم الضغوط المتكررة التي مارستها حكومات بريطانية متعاقبة على عبد الفتاح السيسي – تارة عبر القنوات الدبلوماسية الهادئة، وتارة عبر التلويح بتداعيات سياسية وإعلامية – ظلّ الموقف المصري متصلبًا.
هذا التعنّت لم يكن نابعًا فقط من حسابات أمنية، بل من رغبة واضحة لدى رأس السلطة في عدم الظهور بمظهر من يرضخ للضغوط الخارجية، حتى وإن انعكس ذلك سلبًا على صورة الدولة ومصالحها الدبلوماسية.
معركة الأم.. حين يتحوّل الجسد إلى رسالة
تصعيد القضية بلغ ذروته مع الخطوة الدرامية التي اتخذتها الدكتورة ليلى سويف، والدة علاء عبد الفتاح، بإضراب طويل عن الطعام. خروجها المتكرر إلى وسائل الإعلام بجسد أنهكه الإضراب، ووزنٍ تآكل أمام أعين الرأي العام، حوّل القضية من ملف سياسي إلى مأساة إنسانية مكتملة الأركان.
ورغم انتهاء مدة الحكم القانونية، ووضوح الانتهاكات المرتبطة باستمرار احتجاز علاء، تمسّك النظام بمبررات قانونية وأمنية متغيّرة لإبقائه خلف القضبان، بالتوازي مع حملة إعلامية ممنهجة لتشويه صورته وصورة أسرته، بهدف تهيئة الرأي العام لقبول استمرار حبسه.
المتغيّر غير المتوقع
ظلّ هذا المشهد ثابتًا إلى أن طرأ متغيّر واحد أعاد خلط الأوراق بالكامل. شاب صغير السن، ينتمي إلى عائلة ذاقت مرارة السجون، نفّذ حركة احتجاجية رمزية بإغلاق سفارة مصر في هولندا بالأقفال، احتجاجًا على إغلاق معبر رفح أمام المساعدات المتجهة إلى غزة.
الخطوة، التي بدت في ظاهرها فردية وعفوية، تحوّلت إلى ظاهرة عابرة للحدود، بعد أن جرى تقليدها أمام سفارات مصرية في عواصم أوروبية وأمريكية وآسيوية وأفريقية، وسط تعاطف واسع في أوساط الشباب.
إحراج دولي وردّ أمني
هذه التحركات وضعت سلطة السيسي في موقف حرج على الساحة الدولية، إلى حد اضطرار السيسي نفسه للتعليق عليها، في محاولة لربطها بجماعة الإخوان المسلمين ووصمها بأنها محرّكة ومموّلة سياسيًا.
في المقابل، جرى تحريك مجموعات موالية للنظام في أوروبا للتصدي لتلك الاحتجاجات، ما أدى إلى مواجهات مباشرة، أبرزها في هولندا ثم في العاصمة البريطانية لندن.
خطأ قاتل فتح الأبواب
في لندن، تطورت الأمور بشكل أخطر، عندما أقدم أحد الموالين للنظام يدعي البلطجي ميدو، على تهديد الشاب المحتج بالقتل مستخدمًا سلاحًا أبيض، ما استدعى تدخل الشرطة البريطانية والقبض عليه. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ قاوم المتهم الشرطة أثناء القبض عليه، لتتراكم عليه تهم جنائية جسيمة.
وبدت الواقعة شجارًا جنائيًا عاديًا، لكن تدخل سلطة السيسي المكثفه للدفاع عن المتهم، وإبداء اهتمام غير معتاد بقضيته، أثار تساؤلات داخل دوائر سياسية بريطانية، خاصة في أوساط حزب العمال الحاكم.
“صيد ثمين” في قبضة لندن
سرعان ما بدأت تحريات غير معلنة حول خلفية المتهم وأهميته بالنسبة للسيسي. وبحسب معلومات مؤكدة من مصادر موثوقة، تبيّن أن الرجل مرتبط بشبكات غسيل أموال لصالح شخصيات نافذة في النظام، عبر توكيلات وشركات ملابس رياضية عالمية تعمل في عدة مدن أوروبية، وتُستخدم كواجهات لتحويل أموال ناتجة عن قروض ومعاملات غير قانونية.
هنا، تغيّرت نظرة الحكومة البريطانية إلى القضية، من ملف جنائي عابر إلى ورقة ضغط سياسية عالية القيمة.
من الفكرة إلى القرار
داخل حزب العمال، طُرحت فكرة استثمار هذا “الصيد الثمين” في صفقة تبادل غير معلنة، يكون ثمنها الإفراج عن علاء عبد الفتاح. ومع تصاعد النقاشات، وصلت الفكرة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي منح الضوء الأخضر للمضي قدمًا.
بدأت بعدها اتصالات هادئة، بعيدة عن الإعلام، مع أعلى مستويات السلطة في القاهرة، لبحث صيغة قانونية تحفظ ماء وجه الطرفين، وتجنّب أي اتهامات بخرق القانون أو المتاجرة بالعدالة.
قبول مضطر ونهاية مرحلة
وفق التقديرات، وافق عبد الفتاح السيسي على الصفقة مضطرًا، ليس بدافع الاقتناع، بل خوفًا من تسريب معلومات حساسة تتعلق بغسيل أموال شخصيات نافذة في نظامه. في المقابل، كان علاء عبد الفتاح قد تحوّل – من منظور النظام – إلى عبء سياسي أكثر منه ورقة تفاوض، خاصة بعد تراجع الزخم الأوروبي الرسمي حول قضيته، وانتهاء إضراب والدته عن الطعام.
وهكذا، اكتملت الصفقة في صمت، لتنتهي واحدة من أكثر القضايا الحقوقية تعقيدًا في السنوات الأخيرة، ليس بانتصار العدالة وحدها، بل بتقاطع المصالح حين فرض الواقع نفسه على عناد السياسة.
القصه الكامله وراءالإفراج عن #علاء_عبدالفتاح
— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) December 27, 2025
رغم المحاولات العديدة للإفراج عن الناشط علاء عبد الفتاح من السجون المصريه من الحكومات البريطانيه المتواليه وذلك بالضغط على الرئيس عبد الفتاح السيسي بالترغيب تاره وبالترهيب تارة أخرى إلا إن كل المحاولات باءت بالفشل بسبب عناد عبد الفتاح… pic.twitter.com/PAeHEzqnrI

