يعيش اليمن واحدة من أكثر اللحظات خطورة منذ اندلاع الحرب قبل عشر سنوات، لحظة تتداخل فيها الصراعات القبلية مع المشاريع الإقليمية، وتتعاظم فيها أذرع القوى الخارجية، وفي مقدمتها الإمارات، لتتحول أراضي الجنوب والشرق إلى ساحات نفوذ متصارعة، تبتلع الدولة، وتدفع بالبلاد إلى مرحلة جديدة من الانقسام والتهديدات المتسارعة.
المشهد لم يعد محصورًا في “اشتباكات قبلية” أو “تنافس سياسي”، بل بات أقرب إلى انهيار منظم لسلطة الدولة في مناطق شاسعة من اليمن، مقابل صعود كيانات مسلحة تعمل ضمن أجندات خارجية، وتفرض واقعًا جديدًا على الأرض دون مقاومة تُذكر.
اشتعال النزاعات القبلية تحت مظلة إماراتية
عاد المشهد القبلي في اليمن ليشتعل من جديد، ولكن هذه المرة ليس بدافع ثأر أو خلافات محلية، بل بدفع وتمويل وتسليح خارجي، يهدف إلى خلق واقع من الفوضى يسمح بترسيخ النفوذ الإماراتي عبر أدوات قبلية وعسكرية.
في عدة مناطق، تحولت الاشتباكات إلى موجات واسعة من التهجير، وانهيار الخدمات، ونزوح مئات العائلات، مع تزايد عمليات النهب والسيطرة على الأراضي.
وبينما يصوّر الإعلام الموالي لأبوظبي هذه الأحداث كخلافات تقليدية، تكشف شهادات السكان عن قنوات دعم منظمة تُسلَّم عبر وسطاء قبليين لرفع منسوب الصراع.
تفكيك البنية الاجتماعية عبر “خطاب القبيلة”
تغذية الصراع بالخطاب القبلي والديني والطائفي تحولت إلى أداة فعّالة لفك الروابط الاجتماعية بين مجتمعات مستقرة لعقود، وفتح الباب أمام تدخلات عميقة تُضعف أي قدرة على إدارة محلية مستقلة أو موحدة.
مع تفاقم الفوضى، تمكنت مجموعات مرتبطة بالإمارات من بسط سيطرة غير معلنة على أراضٍ، ومناطق زراعية، وطرق تهريب، ما يجعل الصراع “حربًا على الجغرافيا” بقدر ما هو حرب على البشر.
مغادرة العليمي: “هروب سياسي” من مشهد انفجر خارج السيطرة
غادر رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي عدن بشكل مفاجئ، في خطوة اتُّفق على أنها اعتراف بالعجز أمام ميليشيا الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيًا، التي توسّعت خلال الأيام الماضية في فرض سيطرتها على الجنوب دون العودة للشرعية.
هذه الخطوة عُدّت نقطة تحول كبرى: الدولة تغادر عدن… والميليشيا تصبح القوة الوحيدة النافذة على الأرض.
جنوب بلا دولة: صعود سلطة الأمر الواقع
تنامي نفوذ المكونات المسلحة، امتلاكها المال والسلاح والدعم الإقليمي، وغياب أي سلطة ردع حكومية، جعل الجنوب ساحة مفتوحة أمام سيناريوهات التصعيد:
- انهيار مؤسسات الدولة
- تمدد الميليشيات
- احتمالات صدام بين القوى المحلية
- توسع مشاريع الانفصال دون توافق وطني
حضرموت تسقط… انهيار المعسكرات وتوسع النفوذ الإماراتي
شهدت حضرموت خلال أيام قليلة تحولًا جذريًا: خسرت الحكومة كامل مواقعها العسكرية في الوادي والصحراء، بعد سيطرة قوات الانتقالي المدعومة إماراتيًا ومسلحين من قبائل آل المناهيل على اللواء 11 حرس حدود واللواء 315 مدرع.
الأخطر أن هذه السيطرة تمت: دون مقاومة حقيقية، وبالتفاهم مع قادة وحدات عسكرية، وتحت غطاء سياسي وإعلامي يشرعن تمدد الانتقالي
أهداف الإمارات: شرق مفكك ونفوذ بلا حدود
التطورات الأخيرة تتسق مع مشروع إماراتي مستمر منذ 2015 يقوم على:
إنشاء تشكيلات مسلحة بديلة للدولة
إضعاف الجيش الوطني
السيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية
تكريس كيانات أمر واقع جنوبًا وشرقًا
حضرموت، بما تملكه من نفط وحدود وموقع استراتيجي، أصبحت الآن محور هذا المشروع.
تحذيرات رسمية من انقلاب وشيك
أكد نائب رئيس مجلس القيادة سلطان العرادة أن تحركات الانتقالي تشكل تمزيقًا داخليًا يمنح الحوثيين فرصة تاريخية للتوسع، ويهدد الممرات الدولية ومشروع استعادة الدولة.
وزير الخارجية الأسبق عبد الملك المخلافي وصف ما يجري بأنه “انقلاب واضح” يستهدف الشرعية والمرجعيات ويمهّد لواقع انفصالي كامل.
بالتزامن مع التوسع المسلح للانتقالي، شهدت عدن وحضرموت انسحابات مفاجئة للقوات السعودية والسودانية وقوة “درع الوطن”، ما زاد الشكوك حول ترتيبات عسكرية جديدة قد تغيّر شكل السيطرة في الجنوب.
سيناريوهات اللحظة القادمة
تتراوح الاحتمالات بين:
إعادة ترتيب التحالفات بدعم خارجي لإعادة الدولة.
تصعيد ميداني خطير بين الجيش والميليشيات.
تثبيت واقع الانقسام وتحويل الجنوب إلى كيان منفصل شبه مكتمل.

