يشعر كثير من الناس براحة نفسية وطمأنينة عند ذكر الله، ويتساءلون: لماذا يحدث هذا الشعور؟ وهل الأذكار تؤثر في النفس والجسد كما تؤثر في الروح؟

 

تجمع النصوص الشرعية وأقوال العلماء والدراسات الحديثة على أن للذكر قوة قلبية ونفسية وفسيولوجية تمنح الإنسان طمأنينة قلبية وراحة نفسية.

 

لماذا أشعر بالهدوء والسكون عندما أذكر الله؟

 

الذكر سبب في سكون القلب وطمأنينته؛ قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (سورة الرعد، الآية 28).

 

فاطمئنان القلب وراحة النفس عند الذكر وعد إلهي ثابت، ليس مجرد إحساس عابر، بل أثر روحاني يغسل النفس من القلق والخوف، لأنه يربطها بالمصدر الأعظم للأمان وهو الله عز وجل.

 

وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري قال رسول اللهّ ﷺ: “مثلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثلِ الحيّ والميت” رواه البخاري.

 

وقال ابن القيم: “الذكر يورث القلب السكينة والطمأنينة، ويبعده عن الوحشة والغفلة”.

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز “الإكثار من ذكر الله، والاستغفار والصلاة والسلام على النبي ﷺ من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب، وفي راحتها، وفي السكون إلى الله عز وجل والأنس به زوال الوحشة والذبذبة والحيرة”.

 

هل للأذكار تأثير نفسي فعلي فضلا عن الأثر الروحي؟

 

للذكر أثر من وجهين: أثر إيماني روحي وأثر نفسي فسيولوجي أثبتته بعض الدراسات الحديثة (تهدئة الجهاز العصبي، خفض التوتر، زيادة موجات ألفا وإفراز إندورفينات).

 

والحُكم الشرعي أن الفائدة الروحية هي الأصل، بينما التأثيرات العلمية تُظهر كيف يترجم ذلك إلى حالة نفسية وجسمية محسوسة.

 

الفارق أن الأثر الروحي يربط النفس بالله، بينما الأثر النفسي ينعكس على تحسين المزاج وتخفيف التوتر، حتى من منظور علم النفس.

 

كيف تعمل الأذكار على تصفية الذهن أو راحة القلب؟

 

الذكر يذكّر الإنسان بالله وبالآخرة، فيزول التعلق المفرط بالدنيا والهموم، ويسترجع القلب تعلقه بالخالق؛ فذلك يقوي الطمأنينة.

 

والذكر يذكّر العبد بضعف نفسه وعظمة ربه، فيتضاءل حجم الهموم أمام قدرة الله، وهذا ما تسميه كتب التزكية بـ”إلقاء الهموم عند باب الله”.

 

ودوام الذكر مع حضور القلب يؤدي إلى أثر عميق في النفس كما بينه أهل العلم.

 

ومن الناحية النفسية والفسيولوجية الترديد واللفظ المنتظم للذكر يشكل نمطا شبيها بالتنفس العميق أو التأمل، مما يؤدي إلى خفض القلق والتوتر وزيادة الشعور بالاسترخاء.

 

هل الأذكار تصلح بديلا عن العلاج النفسي أو التأمل في وقت الضيق؟

 

الذكر قد يخفف أعراض القلق والاكتئاب الخفيف، ويدعم العلاج النفسي، لكنه لا يغني عن مراجعة طبيب أو مختص إذا كانت الحالة مرضية أو مزمنة (اكتئاب شديد، اضطراب وقلق عام، وساوس مرضية)، وفي تلك الحالات يستحسن الجمع بين العلاج المهني والدعاء والذكر.

 

ويُذكّر العلماء بأن الذكر علاج للقلب والروح، لكنه ليس دواء لكل الاضطرابات النفسية من الناحية الطبية، وإن كان قد يكون الدعامة الأقوى للعلاج الشامل.

 

هل لكل ذكر نفس التأثير؟ أم أن هناك أذكارا أفضل لراحة النفس؟

 

الأذكار كلها خير لكن تأثيرها يختلف باختلاف حضور القلب وصدق النية، ويزداد الأثر النفسي مع الأذكار المأثورة عن النبي ﷺ، مثل: أذكار الصباح والمساء، والتسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار.

 

فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا منها فثمرته ضعيفة”.

 

كم مرة يجب أن أردد الذكر لأشعر بالراحة؟

 

الأصل في الذكر الاستمرار والمداومة وأن تجعل الذكر جزءا من أوقاتك الثابتة (صباحا ومساء، وبعد الصلوات) مع ملازمة حضور القلب.

 

ولا شك أن الكم له أثر، حيث حدد النبي ﷺ أعدادا لبعض الأذكار (33 تسبيحة، 33 تحميدة، 34 تكبيرة، مثلا بعد الصلاة)، لكن الطمأنينة الحقيقية تأتي إذا كان القلب حاضرا، حتى لو قل العدد.

 

ما علاقة الأذكار بالشعور بقرب الله وزيادة اليقين؟

 

الذكر يجدد الإيمان ويقوي الثقة بالله، ويقرب العبد إلى ربه كما في الحديث القدسي: يقولُ اللَّهُ تَعالَى: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”. رواه البخاري ومسلم

 

فالشعور بقرب الله نتيجة مباشرة للذكر، وهذا يولد الأمان النفسي لأن العبد يعلم أن الله معه ويحفظه ويسمع دعاءه.

 

هل الأذكار تقي من الوساوس والخوف والقلق النفسي؟

 

الأذكار الشرعية المأثورة تعمل كدرع نفسي وروحي، وتحمي القلب من وساوس الشيطان، وتمنع تضخيم المخاوف.

 

ففي الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ “من قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمُ، ثلاثَ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ. ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي”. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

 

هل الأذكار مفيدة للمؤمنين فقط أم يمكن لأي شخص استخدامها للشعور بالسكينة؟

 

تقول النصوص الشرعية والدراسات العلمية أن الأثر الروحي والطمأنينة القلبية الكاملة للذكر مرتبطة بالإيمان والنية؛ أما الفائدة النفسية الجزئية فقد يشعر بها غيرُ المؤمنين.

 

فالترديد المنظم والتركيز والتنفس الهادئ ينتج تأثيراتٍ نفسية وبيولوجية يمكن أن تحس لدى أي إنسان، لكن ذلك يخلو من المعنى الإيماني الذي يربط النفس بالله.

 

خلاصة

 

  • اجعل الذكر عادة يومية: صباحًا ومساءً وبعد الصلوات، والمداومة أهم من العدد.

 

  • اطلب الحضور القلبي: اجعل النية والتفكر في معاني الكلمات مرافقين للفظ الذكر باللسان.

 

  • وازن بين الروحي والمهني: إذا كانت الأعراض النفسية شديدة فاجمع بين الذكر وطلب المختص (طبيب/ معالج نفسي).

 

  • التزم بالأذكار المأثورة: أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال.