مع انتهاء اليوم الأول من المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025، سقطت آخر ورقة توت كانت تستر عورة النظام الانتخابي في مصر. فبينما تتشدق الهيئة الوطنية للانتخابات وحكومة الانقلاب بشعارات النزاهة والشفافية، كشفت تقارير ميدانية موثقة من أحزاب "الوعي" و"المحافظين" عن وجه قبيح لعملية انتخابية تدار بـ"الرشاوى العلنية" و"الحشد القسري"، في مشهد يعيد للأذهان أسوأ ممارسات تزوير الإرادة الشعبية، ويؤكد أن النظام لا يرى في الانتخابات سوى "ديكور" لتثبيت أركانه، ولو على حساب كرامة الناخب.

 

سوق النخاسة الانتخابي: الصوت لمن يدفع أكثر

 

لم يعد شراء الأصوات يتم في الخفاء، بل تحول إلى "بورصة مفتوحة" أمام اللجان، برعاية وحماية أذرع السلطة.

 

مزاد "مستقبل وطن": وثقت غرفة عمليات "حزب الوعي" بالأسماء والأماكن وقائع شراء أصوات فجة في مدينة الشروق (مدرسة الشهيد ياسر جنينة) وحدائق القبة، حيث يتم توزيع الأموال علناً لصالح مرشحي حزب "مستقبل وطن"، الذراع السياسي للنظام، في استغلال رخيص لفقر المواطنين.

 

بورسعيد والسويس.. النقل الجماعي للناخبين: رصدت التقارير عمليات نقل جماعي منظمة للناخبين بالميكروباصات في السويس وبورسعيد (الدائرة الأولى)، مصحوبة بظروف مالية لتوجيه التصويت لصالح مرشحين بعينهم (تامر حمزاوي وإسلام فيلة)، مما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في مقتل ويحول المنافسة إلى "حرب أموال" لا برامج.

 

اعتراف رسمي "مبطن" وتهديد بكتم الصوت

 

في سابقة تكشف حجم الكارثة، اضطر المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، للاعتراف بوجود "مخالفات" و"توزيع أموال".

 

اعتراف تحت الضغط: أقر بنداري بتلقي إخطارات بالقبض على أشخاص يوزعون أموالاً، لكنه سارع للالتفاف على هذا الاعتراف بتهديد مبطن، محذراً المواطنين من "نشر الوقائع على السوشيال ميديا". هذا التحذير ليس حفاظاً على القانون، بل هو محاولة "لتعمية" الرأي العام ومنع توثيق الفضائح التي تحرج النظام دولياً.

 

منطق "الستر" لا المحاسبة: بدلاً من شكر المواطنين على كشف الفساد، تطالبهم الهيئة باللجوء للقنوات الرسمية (التي غالباً ما تحفظ الشكاوى)، في رسالة واضحة: "نعلم بالتزوير، لكن لا تفضحونا".

 

أحزاب المعارضة توثق "المهزلة"

 

لم تقتصر الشهادات على النشطاء، بل جاءت من غرف عمليات أحزاب سياسية مشاركة (مثل المحافظين والوعي)، مما يمنحها مصداقية تطيح برواية "إعلام السامسونج".

 

تأخر اللجان وتوجيه الناخبين: رصد "حزب الوعي" تأخر فتح اللجان في القاهرة والشرقية عمداً لتعطيل تصويت غير الموالين، بالتزامن مع توجيه مباشر للناخبين داخل اللجان (مدرسة القطامية) لصالح مرشحي السلطة، مما يحول العملية الانتخابية إلى "مسرحية هزلية" مخرجاتها معروفة سلفاً.

 

غياب الحبر الفسفوري: في إجراء يثير الريبة، أكدت الهيئة عدم استخدام الحبر الفسفوري، مما يفتح الباب واسعاً أمام تكرار التصويت وتدوير الناخبين (الذين يتم نقلهم بالميكروباصات) بين اللجان المختلفة دون رادع.

 

برلمان "باطل" قبل أن يبدأ

 

إن ما يجري في دوائر المرحلة الثانية ليس انتخابات، بل عملية "تعيين" مقنعة تتم في الشارع بدلاً من الغرف المغلقة. حكومة الانقلاب، بعجزها عن تقديم إنجاز حقيقي، تلجأ لشراء الشرعية بالمال الحرام، مؤسسة لبرلمان لا يمثل الشعب، بل يمثل "المقاولين" و"سماسرة الأصوات". هذه الانتهاكات الموثقة لا تطعن في نزاهة النتائج فحسب، بل تسقط ورقة التوت الأخيرة عن نظام فقد شرعيته الأخلاقية والسياسية، وبات يحكم بـ"الرشوة" و"الميكروباص".