في واقعة تمثل قمة الإهمال الدبلوماسي والاستهانة بكرامة المواطنين المصريين بالخارج، يواصل المحامي المصري نمر فرج عبد العزيز احتجازه في المملكة العربية السعودية للشهر الرابع على التوالي، بعد مشادة بسيطة مع أفراد الأمن في الحرم أثناء أداء العمرة، انتهت بحكم قضائي سريع وصادم بالسجن لمدة عامين.

 

وبينما ينتظر أهله وآلاف المصريين موقفًا مسؤولًا من السفارة المصرية في جدة والقنصلية العامة بالرياض، لم يحدث سوى صمت مريب وتجاهل كامل للواجبات القنصلية، رغم أن التحقيق تم في غياب ممثل القنصلية، في مخالفة صريحة لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.

 

هذه ليست مجرد قضية فردية، بل جرس إنذار خطير حول غياب حماية الدولة لمواطنيها بالخارج، خاصة في القضايا التي تتعلق بالسلطات الأمنية في دول أخرى، حيث يصبح دور البعثة الدبلوماسية هو طوق النجاة الوحيد.

 

احتجاز مفاجئ وتحقيق دون ضمانات قانونية

 

بدأت مأساة نمر فرج في 11 أغسطس الماضي، حين وقعت مشادة لفظية بينه وبين أفراد من حرس الحرم أثناء محاولته الوصول إلى الحجر الأسود مع أسرته. ووفق شهادة شقيقه، فقد تم اقتياده منفردًا إلى نقطة الشرطة، وأبلغت الأسرة بأن الإفراج عنه سيتم بمجرد إحضار إثبات الهوية، إذ كان يرتدي ملابس الإحرام دون أوراق.

 

لكن المفاجأة جاءت في اليوم التالي، حيث تم ترحيله إلى الحجز العمومي، وفتح تحقيق رسمي معه دون حضور محامٍ أو ممثل للقنصلية المصرية، في انتهاك واضح لاتفاقية فيينا التي تضمن للمواطن المعتقل التواصل مع بعثته القنصلية فورًا.

 

ورغم أن القاعدة القانونية في القضايا المشابهة تتطلب أسابيع أو أشهر من الإجراءات، فإن الحكم صدر من أول جلسة خلال الشهر نفسه، وقضى بحبسه عامين.

 

سفارة بلا دور.. ووعود فارغة

 

بدلًا من أن تتحرك السفارة المصرية للدفاع عن مواطن لم يرتكب جريمة جنائية أو اعتداء جسدي، واجهت الأسرة موجة من التجاهل والتسويف. يقول شقيق نمر إنهم تقدموا بشكوى إلى السفارة السعودية بالقاهرة، لكنهم حصلوا فقط على أرقام هواتف "مغلقة دائمًا".

 

الأسرة وكلت المحاميين عمرو الخشاب وعلي أيوب لمتابعة القضية، وأكد الخشاب أن موكله تعرض للاعتداء أثناء العمرة، وأن الحكم أُصدر بصورة سريعة وبغياب تام لأي تمثيل رسمي مصري. كما تقدم بدعوى لإلزام وزارة الخارجية المصرية بالتحرك الفوري، وهو موقف غير مسبوق يعكس انعدام الثقة في أداء البعثة المصرية بالسعودية.

 

فيديو الاعتداء يعيد الجرح إلى الواجهة

 

تزامنت قضية نمر مع انتشار واسع لمقطع فيديو وثق اعتداء رجل أمن سعودي على معتمر مصري وزوجته داخل المسجد الحرام.

 

الفيديو أثار موجة غضب واسعة، خاصة بعد أن ظهر المعتمر المصري يطالب باحترام كرامته قائلًا: "ايدك ما تتمد.. أنا بكلمك بكل ذوق واحترام"

 

هذا المقطع أعاد إلى الواجهة سؤالًا مؤلمًا: أين السفارة المصرية حين يُهان مواطنوها؟

 

فشل دبلوماسي يجب محاسبته

 

القضية تكشف أن السفارة المصرية تخلت عن أبسط مهامها:

  • الدفاع القانوني عن مواطن محتجز
  • حضور ممثل قنصلي أثناء التحقيق
  • التواصل مع أسرة المعتقل
  • تقديم دعم قانوني أو إنساني
  • إصدار بيان رسمي يوضح الموقف

 

الصمت الرسمي، وغياب الشفافية، يثير شكوكًا حول ما إذا كانت البعثة تتجنب المواجهة أو تعمل بمنطق "السلامة أولًا" على حساب حقوق المصريين بالخارج.

 

وتتكرر هذه الحالات بصورة مخجلة؛ فلا يزال عشرات المصريين في سجون عدة دول بلا مساندة حقيقية، بينما تكتفي السفارات بالردود البروتوكولية.

 

الدولة التي لا تحمي أبناءها تفقد احترامهم

 

قضية نمر فرج ليست فقط قضية قانونية، بل قضية كرامة وطنية، فمواطن مصري محامٍ يُسجن عامين بسبب مشادة لفظية، دون دفاع أو تمثيل رسمي، بينما تقف السفارة مكتوفة الأيدي.لأن الدولة التي لا تصون كرامة مواطنيها خارجيًا، تفشل أولًا داخليًا. ويبقى السؤال المرّ مفتوحًا: كم نمرًا يجب أن يُسجن حتى يتحرك المسؤولون؟