أثارت التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف موجة عارمة من الغضب والاستنكار، بعد الإعلان عن انضمام كازاخستان إلى "اتفاقيات أبراهام"، في خطوة وصفتها الأصوات العربية والإسلامية بأنها طعنة جديدة في ظهر الأمة وخيانة للقضية الفلسطينية.

جاء إعلان ترامب، الذي احتفى بالخطوة معتبراً إياها "الأولى في ولايته الثانية" ومقدمة لانضمام دول أخرى، ليكشف عن عمق المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى إعادة تشكيل المنطقة، وتجميل وجه التطبيع، وتقديمه كطريق نحو "السلام والازدهار"، بينما هو في حقيقته مسار للخضوع والاستسلام لإرادة كيان محتل.

إن الترويج لاتفاقيات أبراهام تحت مظلة "الإنسانية والتعايش" ليس إلا ستاراً لتمرير أجندات سياسية تخدم مصالح الاحتلال وتمنحه شرعية لا يستحقها، على حساب دماء وتضحيات الشعب الفلسطيني.
 

تفاصيل التطبيع الصادم
جاء الإعلان الرسمي على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي صرح بفخر: "كازاخستان أول دولة في ولايتي الثانية تنضم إلى اتفاقيات أبراهام وهي الأولى من بين العديد من الدول". وأضاف أن "المزيد من الدول تتجه نحو السلام والازدهار من خلال اتفاقيات أبراهام"، متوعداً بالإعلان قريباً عن حفل توقيع رسمي ووجود دول أخرى تسعى للانضمام.

وكان مبعوثه ستيف ويتكوف قد مهد الطريق لهذا الإعلان خلال مشاركته في منتدى للأعمال في فلوريدا، حيث أشار إلى أن دولة جديدة ستنضم للاتفاقيات دون أن يكشف عن اسمها، مما أثار حالة من الترقب والغضب.

هذه الخطوة، التي وصفها كثيرون بأنها "مسرحية سياسية"، تهدف إلى منح إدارة ترامب نصراً دبلوماسياً وهمياً، وتوفير غطاء سياسي لكيان يواجه عزلة متزايدة بسبب جرائمه المستمرة، خاصة بعد العدوان الأخير على غزة الذي أودى بحياة عشرات الآلاف.
 

غضب واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية
فور انتشار الخبر، ضجت منصات التواصل الاجتماعي بموجة من الانتقادات الحادة من قبل محللين وصحفيين ونشطاء عرب، الذين أجمعوا على إدانة الخطوة واعتبارها وصمة عار.
الصحفي عضوان الأحمري كان من أوائل من نقلوا تلميحات المبعوث الأمريكي قائلاً: "قال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إنه سيتم الإعلان الليلة عن بلد جديد ينضم لاتفاقات أبراهام... وامتنع عن الكشف عن اسم الدولة المعنية".

 

الناشط الفلسطيني خالد صافي علّق على الغموض الذي سبق الإعلان الرسمي بوصفه الحقيقة المرة للتطبيع، فكتب: "ويتكوڤ يقول: دولة جديدة ستعلن انضمامها ليلة الخميس إلى 'الاتفاقيات الإبراهيمية'. المصطلح الناعم لـ 'الوقوع في مستنقع العمالة ورذيلة التطبيع' يا ترى من تكون؟".

 

ومع الكشف عن اسم كازاخستان، توالت ردود الفعل الغاضبة. المحلل السياسي فايد أبو شمالة وصف الخطوة بأنها "لعب بالنار وتلطخ بالعار"، وقال إن الأمر "يثير الاشمئزاز والقرف"، مذكراً بأن "فلسطين كانت من أوائل الدول التي اعترفت بكازخستان بعد استقلالها".

وحذر أبو شمالة من أن هذه الخطوة تمثل "مغامرة خطيرة قد تتسبب لها بمشاكل صعبة سواء داخلياً أو خارجياً مع الصين وروسيا وإيران".

 

من جانبه، وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مراد علي الإعلان بـ "المسخرة"، وتساءل: "أولاً، كازاخستان لها علاقات مع الكيان الصهيوني منذ استقلالها عام 1991، فما الجديد؟ ثم، ما علاقة كازاخستان بالشرق الأوسط أساساً؟ أم أن ترامب وفريقه يبحثون عن أي نصر وهمي؟". وأضاف أن "العار يلتصق بحكام كازاخستان الذين يرسخون علاقتهم بعدو استباح دماء 70 ألفاً من أهل غزة".

 

الأكاديمي العماني الدكتور حمود النوفلي أشار إلى أن العلاقات لم تكن جديدة بالكامل، فكتب: "كازخستان قبل عقود كانت على علاقات مع الكيان الصهيوني، ولكن علاقات عسكرية واقتصادية، واليوم ستمنح ترامب واللوبي الصهيوني فرصة يسوقها لكسر العزلة عن هذا الكيان القذر وستعلن التطبيع".

 

وأكدت الصحفية فاطمة الصمادي هذا المعنى بقولها إن "كازخستان تنضم إلى قطار ويتكوف. وهي فعلياً لديها سفارة لدى إسرائيل".

 

قطار التطبيع في اتفاقيات أبراهام
انضمام كازاخستان يضعها في قائمة الدول التي خانت الإجماع العربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية، والتي تشمل حتى الآن:

  • الإمارات العربية المتحدة: كانت أول دولة خليجية توقع على الاتفاق في سبتمبر 2020، في خطوة فتحت الباب على مصراعيه للتطبيع العلني في المنطقة.
  • البحرين: لحقت بالإمارات في نفس الشهر، معلنة عن تطبيع كامل للعلاقات، مما أثار استياءً شعبياً واسعاً تم قمعه بشدة.
  • السودان: انضم في أكتوبر 2020 تحت ضغوط أمريكية شديدة شملت رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع.
  • المغرب: أعلن تطبيع علاقاته في ديسمبر 2020، في صفقة مثيرة للجدل ربطت التطبيع باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

هذه الدول، بانضمام كازاخستان إليها الآن، تشكل حلفاً يخدم الأجندة الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، متجاهلة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ومقدمةً مصالحها السياسية والاقتصادية الضيقة على المبادئ والقيم التي لطالما شكلت أساساً للموقف العربي والإسلامي الموحد.