في الوقت الذي تتفاخر فيه حكومة الانقلاب بالمشاريع العملاقة، يواجه عشرات الآلاف من المرضى صراعًا يوميًا من أجل البقاء، بسبب أزمة نقص الأدوية الحادة وارتفاع أسعارها المتكرر.
وتبرز مأساة مرضى الفشل الكلوي والأنيميا كنموذج صارخ لفشل الدولة في إدارة ملف الصحة العامة، حيث أصبح الحصول على عقاقير حيوية مثل "الإريثروبيوتين"، الضروري لمواجهة فقر الدم الحاد، مهمة شبه مستحيلة.
 

الإريثروبيوتين: الدواء المفقود في سوق الغلاء
تعتمد شريحة واسعة من مرضى الفشل الكلوي، التي تُقدر بعشرات الآلاف، بشكل أساسي على حقن الإريثروبيوتين لعلاج فقر الدم (الأنيميا) المرتبط بمرض الكلى.

هذا الدواء، الذي يُعد خط الدفاع الأول عن حياتهم، أصبح عملة نادرة في الصيدليات والمستشفيات.
 

أبعاد الأزمة:

  • نقص حاد ومستمر: يشكو المرضى من اختفاء الدواء بشكل متكرر منذ نهاية عام 2021، وهي أزمة تتفاقم وتخفت دون حل جذري، مما يضطر المرضى للبحث عنه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
  • التهديد المباشر للحياة: يؤكد الأطباء أن نقص هذا العقار يهدد حياة مرضى الغسيل الكلوي بالإصابة بالأنيميا الحادة، مما يزيد من مضاعفات المرض ويقلل من فاعلية جلسات الغسيل.
  • بدائل خطيرة: اضطر بعض المرضى للجوء إلى بدائل بسيطة وغير فعالة، مثل فيتامينات "بي" أو عصير البنجر، رغم تحذيرات الأطباء من خطورة هذه البدائل على مرضى الكلى.

ويُرجع خبراء، مثل محمود فؤاد رئيس جمعية الحق في الدواء، سبب النقص إلى أزمة العملة الصعبة وقيود الاستيراد، مما يعكس فشل الحكومة في توفير الدولار اللازم لاستيراد المواد الخام والأدوية الحيوية.
 

صرخات المرضى: تجاهل حكومي للموت البطيء
تتوالى شكاوى الأهالي والمرضى عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بالتدخل العاجل لإنقاذ ذويهم.

هذه الشكاوى، التي تتحدث عن "الموت البطيء"، تُقابل بتصريحات رسمية متضاربة ومحاولات لتهدئة الرأي العام دون تقديم حلول مستدامة.
ففي الوقت الذي يشتكي فيه 60 ألف مريض من نقص الدواء، يخرج متحدثون رسميون ليؤكدوا أن "منظمة الصحة العالمية شهدت لمصر بأنها وصلت لمستوى نضج في قطاع الأدوية"، وهي تصريحات تتنافى تمامًا مع الواقع المرير الذي يعيشه المرضى.
هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني يمثل استخفافًا بمعاناة المواطنين.
 

الحكومة متهمة: الفشل في حماية الأمن الدوائي
إن أزمة نقص الأدوية وارتفاع أسعارها المتكرر ليست مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، بل هي فشل حكومي ممنهج في حماية الأمن الدوائي للمواطنين.
 

محاور النقد الموجهة للحكومة:

  1. أزمة العملة وسوء الإدارة: فشل الحكومة في توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد المواد الخام والأدوية، مما أدى إلى خروج بعض الشركات من السوق وتفاقم النقص.
  2. الاستسلام لضغوط الشركات: في ظل النقص، تطالب شركات الأدوية بزيادة الأسعار بنسب تصل إلى 30%، وتستسلم الحكومة لهذه الضغوط، مما يضاعف العبء على المواطن دون ضمان توفر الدواء.
  3. تجاهل الأولويات: إن ترك أدوية الأمراض المزمنة والحرجة، مثل الكلى والأنيميا، تعاني من النقص، بينما يتم الإنفاق ببذخ على مشاريع لا تمس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر، يعكس خللاً في تحديد الأولويات الوطنية.

وأخيرا فاستمرار أزمة نقص أدوية الأنيميا والكلى، رغم غلائها المتكرر، هو دليل دامغ على أن الحكومة المصرية تضع الاعتبارات الاقتصادية والسياسية فوق صحة وحياة مواطنيها.

إن صرخات المرضى والأهالي هي إدانة صريحة لنظام يترك شعبه يواجه "الموت البطيء" بسبب غياب عقار حيوي.
وما لم يتم اتخاذ قرار سيادي عاجل بتوفير العملة الصعبة وضمان استدامة المخزون الدوائي، فإن هذه الأزمة ستظل وصمة عار في جبين الإدارة الصحية في البلاد.