أثارت المقابلة التي أجراها الإعلامي أحمد شوبير مع المصارع الأولمبي محمد إبراهيم "كيشو" عاصفة من الجدل في الأوساط المصرية، حيث كشفت عن صدام مباشر بين رواية بطل رياضي يشعر بالظلم ورواية الدولة التي تعتبر هجرة مواهبها نوعًا من الخيانة والهجرة غير الشرعية.
جاءت تصريحات كيشو الصادمة، التي أعلن فيها بدء إجراءات الحصول على الجنسية الأمريكية لتمثيل الولايات المتحدة رياضيًا، لتكون بمثابة رد عملي حاد على الخطاب الرسمي الذي يتبناه مسؤولون، بمن فيهم رئيس الوزراء، في إدانة الهجرة والتجنيس.
مقابلة تكشف المستور
في لقاء ناري عبر قناة الأهلي، لم يتردد الإعلامي أحمد شوبير في طرح السؤال المباشر الذي كان يدور في أذهان الكثيرين: "هتاخد الجنسية الأمريكية وتلعب باسم بلد غير مصر يا كيشو؟".
جاء رد المصارع، الحائز على برونزية أولمبياد طوكيو، قاطعًا وحاسمًا، حيث أكد أنه موجود بالفعل في أمريكا وبدأ إجراءات التجنيس، مضيفًا: "أيوه، هلعب باسم أمريكا... حتى لو هلعب بعد 20 سنة، هلعب باسم أمريكا... علشان أنا اتظلمت واستحملت كتير".
لم تكن كلمات كيشو مجرد تمرد عابر، بل كانت تعبيرًا عن إحساس عميق بالمرارة والإهمال. حرص كيشو على توضيح أن مشكلته ليست مع وطنه، مصر، بل مع اتحاد المصارعة الذي شعر أنه تخلى عنه.
وقال بنبرة متأثرة: "أنا مش خاين ولا كاره لبلدي... بلدي اللي اتربيت فيها وعشت فيها، لكن اللي حصل معايا محدش في العالم يستحمله". وكشف عن تفاصيل مؤلمة حول معاناته، مشيرًا إلى أن راتبه الشهري من الاتحاد لم يكن يتجاوز 1500 جنيه مصري، وهو مبلغ زهيد لا يتناسب مع كونه بطلًا أولمبيًا. وأوضح أنه كان يعتمد على دعم من شركة راعية لتغطية نفقات معسكراته التدريبية الخارجية، وهو الدعم الذي كان من المفترض أن يوفره الاتحاد.
التصريحات الرسمية في مواجهة الواقع
تأتي قضية كيشو في سياق سياسي وإعلامي تعتبر فيه الدولة المصرية هجرة الكفاءات، وخاصة الرياضيين، قضية تمس الأمن القومي والانتماء الوطني.
تتزامن هذه الحادثة مع تأكيد رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، في مناسبات عدة، على استمرار الحكومة في تقديم كل أشكال الدعم لجهود مكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، وحماية الشباب من مخاطرها.
هذا الخطاب الرسمي يصور الهجرة كخطر يجب مواجهته، ويضع المهاجرين في موضع الشك.
وعقب انتشار تصريحات كيشو، أصدرت وزارة الشباب والرياضة بيانًا شديد اللهجة، أظهر غضبًا رسميًا واضحًا. لم يتعامل البيان مع القضية كأزمة إدارية أو مالية داخل اتحاد رياضي، بل صعد بها إلى مستوى مختلف تمامًا.
وصفت الوزارة ما حدث بأنه "محاولات بعض الجهات الخارجية استقطاب عدد من اللاعبين المصريين وتجنيسهم بطرق غير مشروعة"، معتبرة هذه الممارسات شكلاً من أشكال "الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر عبر استغلال الظروف الاجتماعية لبعض الأبطال".
بهذا البيان، وضعت الوزارة كيشو ضمن إطار "الخيانة الوطنية"، وهو ما يتسق مع الرؤية التي أشار إليها رئيس الوزراء في تصريحاته العامة حول الهجرة. أكدت الوزارة أنها تتعامل بحزم مع "أية محاولات للمساس بحقوق شبابها أو العبث بانتمائهم الوطني". من جانبه، كان رد اتحاد المصارعة تقنيًا وقانونيًا، حيث أكد رئيسه أن كيشو لن يتمكن من اللعب باسم أمريكا إلا بعد مرور ثلاث سنوات وفقًا للوائح الدولية، وأن الاتحاد لن يمنحه الموافقة اللازمة.
صدام بين الانتماء والإهمال
تجسد قضية محمد إبراهيم "كيشو" صراعًا أعمق بين مفهومين متضادين: الولاء المطلق للوطن الذي تتوقعه الدولة، والحق في البحث عن التقدير والدعم الذي يطالب به فرد يشعر بأنه تعرض للإهمال. ففي حين تتحدث الحكومة عن خطط وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية الشباب ، يقدم كيشو قصة شخصية تفضح وجود فجوة بين الشعارات المعلنة والواقع المعاش على الأرض.
لقد وضع لقاء كيشو مع شوبير المسؤولين في حرج، حيث حوّل نقاشًا كان يمكن أن يظل داخل أروقة الاتحاد الرياضي إلى قضية رأي عام. لم يعد الأمر مجرد خلاف مالي، بل أصبح رمزًا لمعاناة أبطال رياضيين قد لا يجدون الدعم الكافي لمواصلة مسيرتهم. وبينما تصف البيانات الرسمية تجنيس اللاعبين بأنه "اتجار بالبشر" ، يرد كيشو من أرض الواقع بأنه بطل أولمبي كان يتقاضى 1500 جنيه شهريًا. هذا التباين الحاد بين الروايتين يطرح سؤالًا جوهريًا: هل هجرة كيشو هي خيانة للوطن، أم هي نتيجة حتمية لخذلان المؤسسات الرياضية له؟
في النهاية، تظل قضيته شاهدًا على التحديات المعقدة التي تواجه العلاقة بين الدولة ومواطنيها الموهوبين في عصر تتشابك فيه الوطنية مع الطموحات الفردية.