شهدت مدينة شرم الشيخ، واحدة من أكثر اللحظات السياسية إثارة للجدل في الأشهر الأخيرة، مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتوقيعه على اتفاق ضمان وقف إطلاق النار في غزة، بمشاركة قادة مصر وتركيا وقطر، وحضور عدد من رؤساء العالم.

الحدث لم يمر مرور الكرام في الصحافة الغربية، التي تناولته بقراءات متباينة تراوحت بين التشكيك في نوايا “ترامب” السياسية، والإشادة بقدرته على جمع أطراف متناقضة على طاولة واحدة، فيما رأت أخرى أن خطابه جاء متناغماً بشكل مقلق مع الرؤية الإسرائيلية.

 

خطاب “ترامب” في الكنيست.. لغة واحدة مع نتنياهو

مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية خصصت تحليلاً مطولاً لخطاب “ترامب” أمام الكنيست الإسرائيلي، مشيرة إلى أنه “جاء متناغماً إلى حد التطابق مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”.

ونقلت المجلة عن نتنياهو قوله إن “إسرائيل فعلت ما كان عليها فعله”، وهي الجملة التي وصفها المحللون بأنها “خلاصة حرب دامت عامين، دمّرت معظم قطاع غزة، وشرّدت مئات الآلاف، وأودت بحياة ما لا يقل عن 67 ألف فلسطيني”.

وأضافت “فورين بوليسي” أن ترامب استخدم نفس المفردات حين تحدث عن “واجب أمريكا في دعم حلفائها”، قائلاً: “علينا أن نفعل ما علينا فعله... أمريكا تنضم إليكم في عهدين أبديين: لن ننسى أبدًا، ولن ننسى أبدًا”.

وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي أبدى تفاؤلاً بأن يلتزم نتنياهو بوقف إطلاق النار، قائلاً للصحفيين على متن طائرته الرئاسية قبل وصوله إلى تل أبيب: “الحرب انتهت”.

 

“نيويورك تايمز”: لماذا الآن؟

أما صحيفة “نيويورك تايمز”، فركزت في تحليلها على توقيت الاتفاق والخطاب، متسائلة: “هل كان من الممكن إبرام هذه الصفقة في وقت أبكر بكثير، عندما كان من المحتمل أن يكون مزيد من الأسرى أحياء، وقبل أن يُقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟”.

وأشارت الصحيفة إلى أن المؤرخين قد يختلفون لسنوات حول ما إذا كانت الحرب بين إسرائيل وحماس يمكن أن تنتهي قبل عام، وتحديداً قبل مقتل يحيى السنوار، الذي وصفته بـ “مهندس هجوم السابع من أكتوبر 2023”.

كما ألمحت إلى أن إدارة بايدن السابقة كانت قد وضعت أساساً لوقف إطلاق نار طويل الأمد، “لكن كلا الطرفين – إسرائيل وحماس – أضاعا تلك الفرصة قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً”.

 

“واشنطن بوست”: قمة بلا أطراف النزاع

من جهتها، وصفت صحيفة “واشنطن بوست” القمة التي استضافتها شرم الشيخ بأنها “قمة سلام بلا أطراف الحرب”، إذ غاب عنها ممثلو حماس وإسرائيل على حد سواء.

ورغم ذلك، قالت الصحيفة إن ترامب “صوّر الحدث على أنه بداية لإعادة تشكيل جديدة في الشرق الأوسط”، مشيرة إلى أنه تحدث بتفاؤل عن توسيع اتفاقيات إبراهيم التي وُقعت عام 2020 لتشمل مزيداً من الدول العربية.

وأضافت الصحيفة أن ترامب لمّح إلى إمكانية “انضمام إيران إلى هذا الترتيب الإقليمي الجديد”، رغم أنه هو نفسه من قصف منشآت نووية إيرانية في يونيو الماضي.

ووصفت “واشنطن بوست” تصريحاته بأنها “تجمع بين الطموح السياسي والمجازفة الدبلوماسية”.

 

“فرانس 24”: إطراء على “ميلوني” يثير الجدل

أما شبكة “فرانس 24” الفرنسية، فقد ركزت على الجانب غير الدبلوماسي من الزيارة، مشيرة إلى أن ترامب أثار موجة انتقادات بسبب تصريحاته عن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال القمة.

ونقلت القناة قوله أمام الحاضرين: “ليس من حقي قول ذلك، لأنه عادة ما تنتهي حياتك المهنية إذا قلت ذلك، لكنها امرأة جميلة”.

وقالت الشبكة إن هذا التصريح “أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهمه البعض بمواصلة سلوكياته المثيرة للجدل تجاه النساء حتى في المناسبات الدولية الحساسة”.

وفي الصورة الجماعية التي ضمت نحو ثلاثين من قادة العالم، كانت ميلوني المرأة الوحيدة، وهو ما سلط الضوء – وفق القناة – على غياب التمثيل النسائي في القمة رغم طابعها الإنساني.

 

“شرق أوسط جديد” أم تسوية مؤقتة؟

ورأت تحليلات أخرى في الصحف الأوروبية أن ما جرى في شرم الشيخ قد لا يكون تحولاً جذرياً في مسار الصراع بقدر ما هو هدنة سياسية مؤقتة تهدف إلى استعادة واشنطن لدورها في الشرق الأوسط بعد سنوات من الغياب النسبي.

صحيفة “الجارديان” البريطانية اعتبرت أن “ترامب يحاول إعادة إنتاج صورة صانع السلام، لكن دون معالجة جذور الأزمة الفلسطينية أو ضمان عدالة مستدامة”.

 

مصر في قلب المشهد

من ناحية أخرى، أشادت معظم التقارير بدور القاهرة في استضافة القمة، معتبرة أن مصر استعادت مكانتها التاريخية كـ وسيط رئيسي بين أطراف النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن “شرم الشيخ عادت لتكون منصة الدبلوماسية الإقليمية، تماماً كما كانت خلال أزمات الشرق الأوسط السابقة”، مشيرة إلى أن مشاركة مصر وتركيا وقطر في توقيع الاتفاق أعطته “شرعية عربية واسعة”.