في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من الغلاء والضرائب وارتفاع فواتير الحياة اليومية، أقامت السلطة احتفالية كبرى في شرم الشيخ لتسويق ما سمّته "قمة السلام"، وانتهت إلى توقيع وثيقة وقف إطلاق النار في غزة، التي تبدو أقرب إلى بيان علاقات عامة منها إلى اتفاق حقيقي يغيّر الواقع.
القمة، بكل ما رافقها من استعراض إعلامي ضخم، لم تكن سوى عرض سياسي لتلميع صورة النظام أمام الخارج.
الرسائل كانت واضحة: مصر ما زالت "قلب العالم العربي"، والسيسي هو "رجل الاستقرار" الذي يمكن للغرب الاعتماد عليه.
لكن خلف هذه الشعارات، يقف واقع داخلي مأزوم، يئنّ فيه المصريون تحت وطأة الأسعار، ويكابد فيه الشباب البطالة واليأس، بينما تُدار البلاد بسياسات اقتصادية قصيرة النظر لم تجلب سوى الديون والانكماش.
الحكومة التي فشلت في وقف نزيف الجنيه أو تأمين حياة كريمة للمواطن، وجدت في ملف غزة فرصة لتغيير المشهد.
فالقمة جاءت في لحظة تراجع داخلي حاد، حين بدأ الغضب الشعبي يطفو على السطح، وحين فقد الخطاب الرسمي مصداقيته.
ومن هنا، بدا أن الهدف الحقيقي من الحدث لم يكن تحقيق "سلام تاريخي"، بل تصدير صورة زائفة عن النجاح والقيادة، تُبث إلى الخارج فيما الداخل يزداد احتقاناً.
الوثيقة الموقّعة في القمة لا تحمل جديداً جوهرياً.
بنودها الفضفاضة عن "وقف النار وفتح المعابر بإشراف دولي" لا تُلزم أحداً بشيء.
ولا تتضمن أي ضمانات حقيقية لإعادة إعمار غزة أو رفع الحصار عنها، بل تمنح القاهرة وواشنطن سلطة إضافية في إدارة الملف.
حتى إعلان "اللجنة المشتركة" للمراقبة لم يكن سوى غطاء بيروقراطي لتمديد النفوذ السياسي، لا لحماية المدنيين.
الإعلام الرسمي لم يتوانَ عن تصوير القمة كـ"انتصار دبلوماسي"، متجاهلاً حقيقة أن غالبية القرارات صيغت في الخارج وأن الدور المصري اقتصر على الاستضافة والتصوير.
إنها سياسة "المنصة والميكروفون" التي تتكرر منذ سنوات: الكثير من الخطابات، والقمم، والبيانات، والقليل جداً من النتائج.
وإذا كانت الحكومة قد نجحت في تحويل شرم الشيخ إلى عاصمة مؤقتة للكاميرات، فإنها فشلت في جعل مصر مكاناً آمناً للمواطن البسيط.
فكيف لدولة تعجز عن توفير الدواء والغذاء أن تتحدث بثقة عن "إحلال السلام في الشرق الأوسط"؟
وكيف يمكن الإيمان بوساطة يقودها نظام عاجز عن مصالحة شعبه مع واقعه؟
إن ما جرى في شرم الشيخ ليس سوى سلام من ورق، يُرفع للتصفيق أمام الصحافة العالمية، فيما تظل جذور المأساة كما هي: غزة محاصرة، وإسرائيل فوق المساءلة، ومصر غارقة في ديونها.
القمة انتهت، لكن الأزمات التي حاولت السلطة إخفاءها لم تنتهِ — بل ازدادت وضوحاً.
إن السلام الحقيقي يبدأ من الداخل، من العدل الاجتماعي، من احترام الإنسان وحقه في حياة كريمة.
أما سلام الصور والمؤتمرات، فلن يغيّر شيئاً، لا في غزة ولا في القاهرة.
فما بُني على الدعاية لا يصمد أمام الجوع، وما صُنع للكاميرا لا يخاطب الواقع.