في مشهد يلخّص حال الحياة السياسية في مصر تحت حكم النظام الحالي، كشفت واقعة هروب النائب علاء عابد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن، عن عمق التدهور الأخلاقي والسياسي الذي يضرب الحزب الحاكم وأجهزته، وعن منظومة كاملة تحمي الفاسدين وتقصي الشرفاء.
فالقضية لم تعد تتعلق بشخص واحد، بل بنهجٍ سلطوي يدمج الفساد في بنية الحكم، ويحوّل الأحزاب إلى أدوات أمنية لتجميل الواجهة السياسية.
 

سقوط نائب الحصانة… وفضيحة الحزب الحاكم
لم يكن خروج علاء عابد من المشهد مجرد قرار انتخابي، بل هروب سياسي من العدالة. الرجل الذي شغل مواقع مؤثرة في البرلمان، من رئاسة لجنة حقوق الإنسان إلى لجنة النقل والمواصلات، كان أحد أعمدة النظام، وصوتاً ثابتاً في الدفاع عن سياسات السلطة وقمع المعارضة.
لكن بمجرد استبعاده من قوائم حزب مستقبل وطن، تعرّى الغطاء السياسي الذي حماه لسنوات، فاختار الهروب من البلاد بعد ساعات من إعلان استبعاده، مدركاً أن نهاية الحصانة تعني بداية الملاحقة القضائية.

تؤكد مصادر قضائية أن ملفات خطيرة كانت تنتظر عابد، تشمل اتهامات بتهريب آثار ومخدرات وتعذيب محتجزين، وهي قضايا سبق أن وصلت إلى مكتب النائب العام، لكن البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه رفض مراراً رفع الحصانة عنه، متذرعاً بأنها "بلاغات كيدية".

هذه الوقائع تؤكد أن الحصانة في مصر ليست أداة لحماية العمل النيابي، بل وسيلة للإفلات من العدالة، تُمنح للمقرّبين من السلطة وتُسحب ممن يخرجون عن طوعها.
 

حزب “مستقبل وطن”.. ذراع السلطة لا صوت الشعب
تُظهر قضية عابد أن حزب مستقبل وطن لم يكن يوماً حزباً سياسياً بالمعنى الحقيقي، بل ذراع تنظيمية للسلطة الحاكمة تُدار بتوجيهات الأجهزة، وتُستخدم لضمان السيطرة على البرلمان والحياة السياسية.
منذ تأسيسه، مثّل الحزب أداة لتكريس حكم الفرد وإقصاء المنافسة، عبر القوائم المغلقة والانتخابات الموجّهة وشراء الولاءات السياسية، حتى تحوّل إلى حزب دولة فوق الدولة، يحتكر التشريع ويدير التعيينات البرلمانية بموافقة أمنية.

الهروب الفاضح لأحد رموزه يكشف الفساد البنيوي داخل الحزب، حيث تختلط المصالح الشخصية بالولاءات الأمنية، وتُدار الترشيحات بمنطق الصفقات لا الكفاءة.
فاستبعاد نائب بهذا الحجم لا يمكن تفسيره برغبة في “تجديد الدماء”، كما زعمت القيادة الحزبية، بل بصراع داخلي على النفوذ والثروة بين أجنحة النظام، التي تسعى لإعادة توزيع المغانم قبل الانتخابات القادمة.
 

الحكومة التي تحمي الفاسدين وتقمع المعارضين
القضية لا تتوقف عند الحزب، بل تمتد إلى الحكومة التي ترعى هذا الحزب وتحمي رموزه. فالدولة التي تلاحق الصحفيين والنشطاء بتهم "نشر الشائعات" و"الانتماء لجماعات"، هي نفسها التي توفر الحماية القانونية والسياسية للفاسدين ما داموا جزءاً من منظومتها.

لقد تحوّل البرلمان إلى مأوى للحصانة لا منصة للرقابة، وحزب الأغلبية إلى درعٍ سياسي للفاسدين، فيما تُقصى القوى المدنية والمعارضة من المشهد تماماً.

هذا التناقض يعرّي طبيعة النظام الذي يرفع شعار محاربة الفساد بينما يغذّيه من الداخل. فكيف لحكومة تدّعي الإصلاح أن تسمح ببقاء متهمين في قضايا تهريب وتعذيب في مواقع القيادة البرلمانية؟ وكيف يظلّ حزب يحوي عشرات الأسماء المثيرة للجدل هو نفسه الذي يتولى صياغة القوانين وتوجيه السياسات العامة؟
 

حصانة اللصوص وإقصاء الديمقراطية
إن ما جرى مع علاء عابد ليس حادثة فردية، بل مرآة تعكس فلسفة حكم تقوم على الولاء لا الكفاءة، وعلى الحماية لا المحاسبة. فكل من يخدم النظام يُكافأ بالمنصب والحصانة، وكل من يعارض يُقصى ويُلاحق.
بهذا المنطق، تتحول الدولة إلى تحالف بين السلطة والفساد، ويُختزل مفهوم "الاستقرار" في حماية الفاسدين وضمان استمرار الولاء، لا في بناء مؤسسات قوية أو شفافة.

لقد أثبتت تجربة مستقبل وطن أن ما يسمى "الحياة السياسية" في مصر لم يعد سوى مسرحية متعددة الأدوار، تُدار بإخراج أمني دقيق: تُفتح القوائم لمن يرضى عنه النظام، وتُغلق الأبواب أمام أي صوت حرّ، وتُمنح الحصانة لمن يسرق وينهب ويهرب في النهاية من دون حساب.

وأخيرا فهروب علاء عابد لم يكن مجرد خبر، بل اعتراف ضمني بانهيار منظومة سياسية فاسدة، تدعم اللصوص وتمنحهم الشرعية والحماية.
إن استمرار هذه المنظومة يعني دفن ما تبقى من الحياة الديمقراطية في مصر، وتحويل البرلمان والحزب الحاكم إلى غطاء سياسي لجريمة منظمة باسم الدولة.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح السؤالين الأهم: من الذي يحاسب الحكومة التي تحمي الفاسدين؟ ومن الذي يمنح الحصانة لوطنٍ يُنهب باسم “مستقبله”؟