من قصر الرئاسة إلى مقاعد البرلمان، يُعيد عبد الفتاح السيسي تدوير رجاله داخل المؤسسة التشريعية، في خطوة تكشف رغبته في إحكام السيطرة على آخر مساحات التعدد السياسي.
فبدل أن تكون الانتخابات المقبلة ساحة تنافس، تبدو أقرب إلى عملية “تعيين موسّعة” تُدار من فوق، حيث تُغلق السياسة في غرفة تنسيق واحدة وتُلقى المعارضة خارج الحسابات، بينما تروّج الصحف الموالية للمشهد باعتباره “تبادلاً للخبرات” لا استكمالًا للهيمنة.
هندسة مسبقة للنتائج
تسريبات “اجتماع الدقائق الحاسمة” داخل مقر حزب مستقبل وطن، الذراع السياسية غير المعلنة للسيسي، كشفت أن توزيع رؤوس القوائم الأربع وتحديد الحصص بين الأحزاب الموالية جرى بإشراف مباشر من دوائر القرار الرئاسي. ما يعني أن خريطة البرلمان تُرسم قبل أن تبدأ الحملات، وأن إرادة الناخب تُختزل في صفقات مغلقة.
تصريحات قيادات الائتلاف جاءت لتؤكد ذلك حين تحدثت صراحة عن “الاصطفاف خلف القيادة السياسية”، أي خلف السيسي نفسه، الذي بات يمسك بخيوط التشريع كما التنفيذ، ويحوّل البرلمان إلى ذراع إضافية في منظومة الطاعة.
وزراء قدامى.. برلمان جديد على المقاس
عاصم الجزار، السيد القصير، محمود شعراوي، علاء فؤاد، وغيرهم من الوزراء السابقين، يتصدرون القوائم داخل حزب “الجبهة الوطنية” المنضوي تحت عباءة الائتلاف، في مشهد يختصر منطق السيسي في إدارة الدولة: إعادة تدوير النخبة ذاتها من موقع إلى آخر لضمان الولاء واستمرار السيطرة.
الأسماء المتداولة الأخرى – من محمد سعفان إلى طارق الملا – تمثل الحلقة الأوثق في شبكة المصالح التي يعتمد عليها النظام، حيث يضمن وجودها داخل البرلمان كتلة تصويتية “مطواعة” تمرّر ما يُطلب منها دون نقاش أو مساءلة.
قانون على مقاس السلطة
إصرار النظام على الإبقاء على نظام القائمة المغلقة المطلقة، رغم الجدل الواسع حوله، يعني ببساطة أن نتائج الانتخابات ستُحسم إداريًا لا شعبيًا.
فالقائمة التي تتجاوز 50% من الأصوات تحصد الدائرة كاملة، لتُهدر ملايين الأصوات المعارضة بلا تمثيل نسبي.
هذه الصيغة القانونية صُمّمت خصيصًا لتأمين أغلبية ساحقة لصالح تحالف موالٍ واحد، أي لصالح السيسي في نهاية المطاف.
ماكينة الإقصاء باسم “التنسيق الوطني”
اجتماعات “القائمة الوطنية من أجل مصر” بحضور أكثر من اثني عشر كيانًا سياسيًا ليست تمرينًا على الديمقراطية، بل آلية لتذويب الموالاة في كتلة واحدة وإقصاء أي صوت مستقل.
كل شيء يجري بإشراف غير معلن من أجهزة الدولة، والهدف النهائي: برلمان بلا معارضة، بلا مفاجآت، وبلا أصوات تُحرجه أمام الرأي العام أو الخارج.
الخطاب الإعلامي الموالي يروّج لهذا الاصطفاف باعتباره “توحيدًا للصف الوطني”، بينما الحقيقة أنه إعادة إنتاج لبرلمان الصوت الواحد، حيث يتحول الخلاف السياسي إلى تهمة، والنقاش إلى تهديد للاستقرار.
برلمان بلا رقابة ولا توازن
بهذه الهندسة المحكمة، يضمن السيسي أن يكون برلمان 2025 نسخة محسّنة من برلمانات الطاعة السابقة: مؤسسة تُصفّق بدل أن تُحاسب، وتُشرّع القرارات القادمة من القصر الجمهوري دون اعتراض.
النتيجة: إغلاق شبه كامل للمجال العام، وتكريس سلطة فرد واحد فوق مؤسسات الدولة جميعها، فيما تتبدّد أي فرصة لتمثيل معارض أو إصلاحي حقيقي.
الخلاصة ما يُقدَّم على أنه “انتخابات برلمانية” ليس إلا عملية هندسة سياسية جديدة يقودها السيسي بنفسه لضمان برلمان خاضع بالكامل.
وزراء سابقون على رؤوس القوائم، تحالف موالٍ يوزّع الحصص داخل غرف مغلقة، ونظام انتخابي صُمم ليمنح الفائز كل شيء.
هكذا يُكتب برلمان 2025 قبل أن يُفتح الصندوق، وتُختزل الإرادة الشعبية في قائمة واحدة تحمل توقيع الرئاسة، لتُغلق دائرة الحكم في يد واحدة، باسم “الاستقرار”، وعلى حساب ما تبقى من حياة سياسية في مصر.