في مشهد يعكس غياب التنافس الحقيقي وتحويل العملية الانتخابية إلى مسرح معدّ سلفًا، كشف محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، عن تفاصيل اجتماع «القائمة الوطنية من أجل مصر» الذي عقد السبت، بحضور قيادات عدد من الأحزاب المحسوبة على السلطة والمعارضة الشكلية، داخل مقر حزب «مستقبل وطن» — الحزب الذي يقود فعليًا الحياة السياسية منذ سنوات بدعم واضح من أجهزة الدولة.

وقال السادات في تصريحات تلفزيونية لبرنامج «الحكاية» إن الاجتماع مثّل «تدشينًا نهائيًا» للقائمة الانتخابية المشتركة، بالتزامن مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول الزمني للانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدًا أن التحالف يضم 12 حزبًا إلى جانب «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين».
 

 

تحالف «إجباري» بواجهة تعددية زائفة

ورغم أن السادات وصف الخطوة بأنها «استكمال لمشاورات ممتدة»، فإن مضمون تصريحاته يكشف عن غياب أي تنافس فعلي، حيث أقرّ بأن أحزاب الحركة المدنية اضطرت إلى الانضمام لقائمة يقودها حزب الأغلبية بسبب «ضعف الإمكانيات» و«استحالة المنافسة» في ظل النظام الانتخابي الحالي القائم على 50% للقائمة و50% للفردي.

هذا الاعتراف، بحسب مراقبين، يعكس جوهر الأزمة السياسية في مصر: معارضة مُحاصَرة تُدفع قسرًا للانضواء تحت جناح السلطة، في انتخابات تُدار بالتحكم المسبق في النتائج لا بإرادة الناخبين.

 

معارضة بيد السلطة

ومن جهته يرى الكاتب عمار علي حسن أن المعارضة السياسية التي تُصنع بيد السلطة وعلى عينها لا يعول عليها، ولا يمكن الاطمئنان إلى تمثيلها للناس، ولا أداء دورها كما ينبغي، فالمعارضة إن لم تكن بديلا فهي مجرد قلائد زينة. رغم هذا كله تضيق السلطة بالاختلاف، وتعتبر الصوت الذي ينقد ويتساءل ويرفض لحنا شيطانيا، أو مؤامرة على ما يسمونها "وحدة الصف"، ولا أعرف كيف يصطف الناس بلا تحاور ولا تشاور ولا تفاهم، إنما عنوة.

وتابع أقول هذا بمناسبة ما نسمعه الآن من تهليل بعض الأحزاب  للسلطة السياسية لأنها ستسمح بمرور بضع عشرات من المرشحين على المقاعد الفردية في انتخابات مجلس النواب، وهو والله أمر يدعو للحزن والدهشة في آن.

وأضاف أعرف أن هناك مرشحين فرديين حقيقيين، ولا يعنيهم ما يقال في شيء، لأنهم واثقون من شعبيتهم، وكل ما يريدونه هو انتخابات تتوافر فيها الحرية والنزاهة والعدالة.

 

 

عبث واعتزال ومهزلة

فيما رأى المحامي خالد العوضي " ويسألونك عن انتخابات النواب، فقل لهم: لقد اعتزلت هذا العبث منذ زمن، حين أدركت أن المقاعد تُمنح بالولاء لا بالكفاءة، وأن الصوت الشريف يُكتم، بينما يعلو صخبُ الباطل والمال. قل لهم: إن الأمر لم يعد يليق بي، ولا أرضى أن أكون شاهدًا على مهزلةٍ تُهدر فيها الكرامة باسم الديمقراطية،".

 

 

وشاركه الرأي الكاتب الصحفي صلاح بديوي " حكمهم باطل ولايمثلوننا لقد اغتصبوا السلطة بقوة السلاح والتزوير".

 

 

دوائر «خالية» للديكور الديمقراطي

وفي محاولة لمنح الانتخابات مسحة شكلية من التنافس، أعلن السادات عن اتفاق داخل التحالف على «إخلاء نحو 40 دائرة انتخابية» من مرشحي أحزاب الموالاة، لتُترك لأحزاب المعارضة والمستقلين. لكن هذا الإجراء، كما يصفه محللون، لا يعكس نية حقيقية لإطلاق حرية التنافس، بل يهدف إلى «تجميل المشهد» وخلق وهم بوجود تعددية، بينما تُحسم باقي الدوائر والقوائم مسبقًا لصالح أحزاب السلطة.

 

حصص محسوبة ونتائج معروفة

السادات أقرّ أيضًا بأن توزيع المقاعد داخل «القائمة الوطنية» قد حُسم سلفًا وفقًا لـ«الوزن النسبي» لكل حزب، ما يعني أن نتائج الانتخابات باتت شبه معروفة قبل بدء الاقتراع. وأوضح أن أحزاب «مستقبل وطن» و«حماة وطن» و«الشعب الجمهوري» و«الجبهة الوطنية» تستحوذ على «نصيب الأسد» من المقاعد، في حين تكتفي باقي الأحزاب بعدد يتراوح بين ثلاثة وعشرة مقاعد فقط، أي تمثيل رمزي يضمن بقاء الصورة دون تغيير المضمون.

 

انتخابات بلا مضمون سياسي

وبينما أعلن السادات عدم ترشحه للبرلمان، مفضلاً الاكتفاء بدوره الحزبي وعضويته في المجلس القومي لحقوق الإنسان، يبقى السؤال الأهم: ما جدوى انتخابات تُدار وفق ترتيبات مسبقة، وتُوزّع فيها المقاعد بالاتفاق لا عبر صناديق الاقتراع؟

في ظل غياب المنافسة، وسيطرة حزب واحد على مفاصل الحياة السياسية، يرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة لن تكون سوى «استفتاء جديد بثوب انتخابي»، تكرّس مشهدًا مغلقًا تتحول فيه الأحزاب إلى أدوات تزيين، والمعارضة إلى ديكور ديمقراطي في مسرح السلطة.