كشف مصدر مطلع على ملف واردات الطاقة بالشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، عن تراجع كميات الغاز الطبيعي المستوردة من إسرائيل إلى نحو 950 مليون قدم مكعب يوميًا خلال الأسبوعين الماضيين، مقارنة بـ1.050 مليار قدم مكعب مطلع أغسطس، أي بانخفاض يعادل 100 مليون قدم مكعب يوميًا. هذا التراجع أُعلن عنه في وقت يواصل فيه الإعلام الرسمي الحديث عن "بدائل جاهزة"، بينما يظل الواقع أن مصر مربوطة بأنبوب غاز قادم من تل أبيب، وهو ما يفضح الفجوة بين الخطاب والواقع.

وأوضح المصدر أن الكميات التي تحصل عليها "إيجاس" تُوجَّه مباشرة إلى محطات الكهرباء وقطاعات صناعية حيوية مثل الأسمدة والبتروكيماويات. ما يعني أن أي اضطراب في التدفقات الإسرائيلية لا يهدد فقط إمدادات الطاقة، بل يعصف بمصانع ومرافق استراتيجية، وهو ما يتنافى مع صورة "الدولة المستقلة القوية" التي تحاول القاهرة تصديرها إعلاميًا.

وكانت مصر قد عدّلت في 12 أغسطس الماضي اتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، عبر إضافة 130 مليار متر مكعب إلى الكميات التعاقدية ورفع قيمة الإيرادات المتوقعة إلى 35 مليار دولار مع تمديد فترة التوريد حتى عام 2040. مثل هذا القرار لا يعكس "بدائل" بقدر ما يكرس تبعية طويلة الأمد لدولة الاحتلال، ويضع الاقتصاد المصري تحت رحمة تقلبات السياسة في تل أبيب، رغم محاولات الخطاب الرسمي إظهار الأمر كإنجاز تفاوضي.

وتعتمد القاهرة على خط أنابيب شرق المتوسط الممتد من العريش إلى عسقلان بطول 100 كيلومتر عبر البحر المتوسط، إضافة إلى جزء آخر من خط الغاز العربي عبر الأردن. هذا الاعتماد المزدوج يوضح أن استقلال القرار الطاقوي المصري مقيد بمسارات إقليمية لا تملك الدولة عليها سيطرة، وهو ما يناقض تمامًا صورة "السيادة المطلقة" التي يكررها المسؤولون في تصريحاتهم.

وتزامنًا مع الانخفاض، أشار المصدر إلى أن "إيجاس" تبحث توقيع عقد طويل الأجل لاستيراد الغاز المسال من إحدى الدول المصدرة، في إطار خطة حكومية لتنويع مصادر الإمدادات. لكن مثل هذه التصريحات اعتاد المواطن سماعها منذ سنوات، دون أن تتحول لبدائل عملية على الأرض، لتبقى مجرد أوراق لتهدئة الرأي العام في مواجهة تبعية متزايدة للخارج.

كما تتحرك وزارة البترول لتسريع طرح مناطق جديدة للبحث والتنقيب عن الغاز لجذب الاستثمارات الأجنبية، بهدف رفع الإنتاج المحلي إلى 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول 2027 وتحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون ثلاث سنوات. غير أن التجارب السابقة مع الاكتشافات الكبرى مثل حقل ظهر أظهرت أن الأولوية غالبًا للتصدير لا للسوق المحلي، ما يعيد إنتاج التبعية بدلًا من كسرها، ويجعل وعود "الاكتفاء الذاتي" أقرب للاستهلاك الإعلامي.

وتراهن القاهرة أيضًا على اتفاقها مع قبرص لربط حقلي كرونوس وأفروديت بمحطات الإسالة المصرية بطاقة إنتاجية تصل إلى 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا. ورغم أن هذا يُسوَّق كإنجاز استراتيجي، إلا أنه يظل رهين قرارات ومصالح إقليمية خارج السيطرة المصرية. وهنا يظهر مجددًا التناقض بين صورة "المركز الإقليمي للطاقة" وبين الواقع الذي يجعل مصر مجرد وسيط لا يملك قرارًا حاسمًا.

وتملك مصر محطتين لإسالة الغاز في إدكو ودمياط، ما يمنحها ميزة تصديرية نظرية. لكن هذه الميزة تبقى غير ذات قيمة إذا كانت الدولة عاجزة عن تلبية استهلاكها المحلي، الذي بلغ بين 6.8 و7 مليارات قدم مكعب يوميًا خلال ذروة الصيف. وحتى مع توقع انخفاض الاستهلاك بدءًا من أكتوبر، فإن هذا لا يغير من واقع التبعية الهيكلية.

وفي سياق متصل، كشفت تقارير صحفية إسرائيلية أن نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين أعادا النظر في صفقة الغاز الأخيرة مع مصر، بدعوى "انتهاكات" للملحق الأمني في كامب ديفيد. ورغم أن مثل هذه التهديدات تكشف هشاشة الموقف المصري، اكتفى الخطاب الرسمي بردود إعلامية من ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات، الذي قال إن على نتنياهو أن يتحمل النتائج الاقتصادية إن ألغى الاتفاق. وهو خطاب يبدو صلبًا ظاهريًا لكنه في جوهره اعتراف بأن القاهرة لا تملك سوى القبول بما يُملى عليها.

وأكد رشوان أن مصر تمتلك بدئل وخططًا جاهزة، لكن هذه التصريحات بدت كجزء من سياسة "الأسد في الإعلام والفأر في الواقع"، حيث يظل القرار الاقتصادي والسياسي مرهونًا بإرادة الخارج. فرفض القاهرة لسيناريو التهجير بعد 7 أكتوبر مثّل عقبة أمام مخططات نتنياهو، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن تبعيتها في ملف الغاز تظل نقطة ضعف أساسية يستغلها الاحتلال وحلفاؤه.