منذ أكثر من أربعة أشهر، تقبع نحو 2,000 شاحنة محملة بالغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية في طوابير طويلة عند معبر رفح، في مشهد مأساوي يكشف حجم التواطؤ والفساد في إدارة هذا المعبر الحيوي، الذي يُفترض أن يكون شريان الحياة الوحيد لأهالي قطاع غزة المحاصر.

الأزمة لم تعد تقتصر على تعنت الاحتلال الإسرائيلي في فرض القيود على دخول المساعدات، بل تفاقمت بسبب تورط أطراف مصرية نافذة، على رأسها نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورجال أعمال مقربين مثل إبراهيم العرجاني، في استغلال الكارثة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة، حتى لو كان الثمن أرواح المدنيين المحاصرين.

 

التعنت الإسرائيلي.. ذريعة للاستغلال

صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودًا صارمة على دخول الشاحنات عبر معبر رفح، تحت ذرائع أمنية واشتراطات معقدة للفحص والتفتيش، إلا أن هذه الذرائع أصبحت فرصة ذهبية لبعض الأطراف المصرية لتحويل المعاناة إلى تجارة مربحة. فبينما تنتظر الشاحنات تحت الشمس الحارقة، يتم منح الأولوية للشحنات التابعة لشركات معينة على حساب البقية، في ظل فساد إداري ومالي فج.

 

العرجاني.. إمبراطورية فوق القانون

اسم إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال المقرب من دوائر السلطة في مصر، يتردد بقوة في هذه الأزمة. فالرجل الذي يسيطر على شركة "مصر سيناء" وغيرها من الكيانات، أصبح لاعبًا أساسيًا في ملف المعابر وإدخال السلع إلى غزة، بفضل شبكة علاقات قوية مع الأجهزة الأمنية.

التقارير تشير إلى أن شركته تتحكم في آلية إدخال المساعدات، بحيث لا تمر الشاحنات إلا عبر شركاته مقابل رسوم باهظة تُفرض على التجار والجمعيات الخيرية. هذه الرسوم تصل إلى 15 ألف دولار للشاحنة الواحدة، أي أن إدخال 1,000 شاحنة فقط يعني أرباحًا تصل إلى 15 مليون دولار في أقل من شهر، وكل ذلك على حساب معاناة سكان غزة.

 

السيسي.. إدارة المعابر بالصفقات لا بالسيادة

بدلًا من أن يستخدم النظام المصري نفوذه للضغط من أجل تسهيل إدخال المساعدات وإنهاء المأساة، اختار السيسي أن يجعل معبر رفح أداة لابتزاز سياسي وتجاري. فالمعبر الذي يُفترض أن يكون مفتوحًا أمام المساعدات في ظل الكارثة الإنسانية، أصبح يخضع لمعادلة معقدة من التنسيق الأمني مع الاحتلال والصفقات المالية مع الشركات المقربة من النظام.

هذا السلوك يكشف أن أولوية النظام ليست حماية الأمن القومي أو دعم القضية الفلسطينية، بل تحقيق أكبر مكاسب مالية ممكنة من هذه الأزمة. وما يزيد الطين بلة هو صمت حكومة السيسي عن هذه الممارسات، في وقت تتحدث فيه عن "دورها الإنساني" في دعم غزة، بينما الواقع يكذب هذه الادعاءات.

 

الشاحنات العالقة.. كارثة إنسانية تتفاقم

مع استمرار التعنت والنهب المنظم، تتعرض المساعدات في الشاحنات للتلف بسبب طول فترة الانتظار تحت درجات حرارة مرتفعة، خصوصًا الأدوية والمواد الغذائية القابلة للتلف. التقديرات تشير إلى أن ما قيمته 20 مليون دولار من المساعدات قد أصبح غير صالح للاستخدام حتى الآن، ما يعني أن المساعدات التي كان يمكن أن تنقذ آلاف الأرواح تتحول إلى نفايات، بينما يدفع سكان غزة الثمن من صحتهم وحياتهم.

الأمر لم يتوقف عند ذلك، إذ تُفرض على الجمعيات والمؤسسات التي ترغب في إدخال المساعدات رسوم إضافية تتجاوز 500 ألف جنيه مصري لكل دفعة، ما يجعل العمل الإغاثي شبه مستحيل من دون الخضوع لهذه الابتزازات.

 

الخلاصة.. جريمة إنسانية مشتركة

ما يحدث عند معبر رفح اليوم ليس مجرد أزمة لوجستية، بل جريمة إنسانية مكتملة الأركان، يشترك فيها الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض الحصار، والنظام المصري الذي يحول المأساة إلى فرصة للثراء غير المشروع، ورجال أعمال نافذون مثل إبراهيم العرجاني الذين استغلوا نفوذهم لاحتكار إدخال السلع والمساعدات.

إن استمرار هذه الممارسات يعني المزيد من المعاناة للفلسطينيين، وفقدان ما تبقى من مصداقية للدولة المصرية في دورها الإقليمي والإنساني. والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سيظل النظام يبيع القضايا الإنسانية ويستغل المآسي من أجل المال والسلطة؟