في تصريح مثير للجدل يعكس تحولا مرتقبا في السياسة الاقتصادية الأميركية في حال عودته إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات 2024، دونالد ترامب، أن "أي دولة تنضم إلى مجموعة بريكس المناهضة لأميركا ستُفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10%"، مشدداً على أنه "لن تكون هناك استثناءات من هذه السياسة".

وقد أثار هذا التصريح جدلاً واسعاً بين صناع القرار والاقتصاديين، خاصة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة التي كانت تأمل في عضوية "بريكس" كمظلة اقتصادية بديلة عن الهيمنة الغربية.

 

ما هي مجموعة "بريكس"؟

تأسست مجموعة "بريكس" في عام 2009 بمشاركة البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا في عام 2010.

وتمثل هذه المجموعة تكتلاً اقتصادياً ضخماً يضم أكثر من 40% من سكان العالم، وقرابة 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي لعام 2023).

وتُعرف المجموعة بسعيها إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب بعيداً عن السياسات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية والمؤسسات التابعة لها مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفي قمتها الأخيرة في جنوب أفريقيا في أغسطس 2023، أعلنت المجموعة عن توسيع عضويتها لتشمل ست دول جديدة هي: السعودية، مصر، الإمارات، إيران، الأرجنتين، وإثيوبيا، وذلك بدءاً من يناير 2024، وهو ما اعتُبر تحولاً نوعياً في شكل التكتل وتحولاً في ميزان القوى الاقتصادية العالمية.

 

لماذا يخشى ترامب من توسع "بريكس"؟

يرى مراقبون أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الدول المنضمة حديثاً إلى "بريكس" يعكس قلقاً أميركياً من تزايد النفوذ الصيني والروسي في الجنوب العالمي، خاصة أن هذه الدول تعمل على تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي من خلال تعزيز التبادل التجاري بعملاتها الوطنية، بل وتدرس إصدار عملة موحدة بديلة للدولار في التعاملات بين أعضائها.

ويؤكد الخبير الاقتصادي الأميركي جون هاردي في تصريحات لشبكة بلومبيرغ (5 يوليو 2025) أن "تصريح ترامب يحمل في طياته تهديداً صريحاً لأي اقتصاد يحاول الفكاك من الهيمنة الأميركية"، مضيفاً أن "انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى بريكس يُعتبر ضربة استراتيجية للمصالح الغربية في الشرق الأوسط".

 

مصر.. بين الحاجة لبريكس والخوف من واشنطن

انضمت مصر رسمياً إلى "بريكس" مطلع عام 2024 بعد سنوات من المراقبة والمشاركة في الاجتماعات بصفة مراقب.

وتطمح القاهرة من خلال هذه العضوية إلى جذب استثمارات جديدة، والحصول على تسهيلات تمويلية من بنك التنمية التابع للمجموعة، فضلاً عن تقليل الاعتماد على الدولار في وارداتها من الصين وروسيا، أكبر شريكين تجاريين لها حالياً.

وفي تصريح سابق للدكتور مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب المصري خلال قمة بريكس الأخيرة، قال إن "الانضمام إلى بريكس يمنح مصر آفاقاً جديدة لتعزيز مكانتها الاقتصادية إقليمياً ودولياً"، مؤكداً أن "مصر تتطلع لتعميق التعاون مع جميع شركائها دون الإضرار بمصالحها مع الغرب".

لكن تصريح ترامب الأخير يضع مصر أمام معادلة صعبة، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك التجاري الأول لمصر خارج المنطقة العربية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 9.1 مليار دولار في 2023، وفقاً لبيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية.

كما أن واشنطن تقدم مساعدات عسكرية سنوية للقاهرة تُقدَّر بـ 1.3 مليار دولار، ما يجعل من سياسة التصعيد الجمركي الأميركية تهديداً حقيقياً للاقتصاد المصري.

يقول الدكتور هاني توفيق، الخبير المالي، إن "انضمام مصر إلى بريكس قرار استراتيجي صائب على المدى الطويل، لكنه يحمل تبعات قصيرة المدى يجب إدارتها بعناية"، مشدداً على أن "مصر بحاجة إلى تنويع علاقاتها الدولية دون الانخراط في صراعات المحاور".

من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الدولية محمد فوزي أن تهديدات ترامب ليست مجرد دعاية انتخابية، بل تعبّر عن رؤية استراتيجية لمنع تآكل النفوذ الأميركي في العالم.

ويضيف أن "البيت الأبيض تحت ترامب سيتعامل بمنطق الربح والخسارة، لذا فإن مصر مطالبة بإجراء حسابات دقيقة قبل أي خطوة اقتصادية مع شركاء بريكس".

 

ما شروط الانضمام إلى "بريكس"؟

حتى الآن، لا توجد معايير رسمية معلنة للانضمام إلى المجموعة، لكن بحسب مصادر دبلوماسية شاركت في قمة جوهانسبرغ، فإن المعايير الأساسية تتضمن:

  • استقلالية القرار السياسي وعدم الخضوع الكامل للهيمنة الغربية.
  • امتلاك قاعدة اقتصادية إنتاجية أو سوق استهلاكي ضخم.
  • وجود علاقات تجارية أو تعاون استراتيجي مسبق مع أعضاء "بريكس" الحاليين.
  • القدرة على المساهمة في بنك التنمية التابع للمجموعة.

وتتطلع دول مثل الجزائر، نيجيريا، إندونيسيا، كوبا، وبنغلادش إلى نيل العضوية في المستقبل القريب، وهو ما سيعزز توجه "بريكس" نحو تمثيل أوسع للجنوب العالمي.

 

هل تنجح سياسة ترامب في ردع الدول؟

رغم اللهجة الحادة لترامب، يشكك اقتصاديون في قدرته على تنفيذ هذه الرسوم فعلياً دون الإضرار بالمصالح الأميركية نفسها، حيث إن الاقتصادات الناشئة تمثل أسواقاً مهمة للشركات الأميركية العملاقة.

وفي حال فرض الرسوم فعلاً، فقد يتجه بعض هذه الدول إلى الرد بالمثل، أو تقليص حجم تعاملاتها بالدولار، ما قد يؤدي إلى تسريع الانفصال المالي عن الهيمنة الأميركية.

وفي هذا السياق، قالت لويز أرمسترونغ، خبيرة الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن "التهديدات الجمركية لن توقف طموحات الدول الصاعدة التي تبحث عن بدائل لنظام عالمي غير عادل، لكنها قد تؤدي إلى تصعيد جديد في الحروب الاقتصادية".

تصريحات ترامب تضع دولاً مثل مصر في مواجهة مباشرة بين طموحات الاستقلال الاقتصادي التي يمثلها الانضمام لـ"بريكس"، وبين الخوف من فقدان المزايا التي توفرها العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة.

وبالنظر إلى المتغيرات الدولية الراهنة، فإن المعركة الحقيقية ستكون حول من يمتلك القدرة على بناء تحالفات دون أن يخسر حلفاءه.