أثارت تصريحات حديثة لوزيرة التضامن الاجتماعي في حكومة الانقلاب، الدكتورة نيفين القباج، جدلاً واسعاً بعد إعلانها عن دراسة جارية لإحياء فكرة "التكية" الإسلامية، كأحد أشكال التكافل الاجتماعي لتوفير الطعام للفقراء، هذه العودة اللافتة إلى أحد معالم العهد العثماني والتقاليد الإسلامية القديمة تطرح عدة تساؤلات: لماذا الآن؟ وما الهدف من استدعاء هذا النموذج تحديدًا في هذا التوقيت؟ وهل يأتي هذا ضمن استراتيجية حقيقية للعدالة الاجتماعية، أم أنه محاولة للالتفاف على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بمصر؟

 

ما هي التكية الإسلامية؟

التكية الإسلامية هي مؤسسة خيرية اجتماعية يعود تاريخها إلى العصور الإسلامية الوسطى، وتحديدًا إلى عهد السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي عام 1279م، حيث أسست التكية الإبراهيمية في مدينة الخليل بفلسطين.

كانت التكية تهدف إلى تقديم الطعام والمأوى للفقراء وعابري السبيل وأهل العلم، مستلهمة من كرم النبي إبراهيم عليه السلام، الذي يُعرف بـ"أبو الضيفان"

التكية لم تكن مجرد مكان لتقديم الطعام، بل كانت مركزًا اجتماعيًا وروحيًا، حيث كان يتم توزيع الطعام ثلاث مرات يوميًا، مع دق الطبل كإشارة لبداية التوزيع، وكانت تقدم آلاف الأرغفة يوميًا، بالإضافة إلى الحساء والوجبات المتنوعة.

كما كانت التكايا في العهد العثماني تضم مساجد ومدارس ومراكز للحرف اليدوية، مثل التكية السليمانية في دمشق التي أسسها السلطان سليمان القانوني عام 1554م، والتي تجمع بين الوظائف الدينية والخيرية والاجتماعية.

 

لماذا تذكرت حكومة الانقلاب التكافل الاجتماعي الآن؟

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول العربية، والتي تفاقمت بسبب عوامل داخلية وخارجية، مثل الحروب والنزاعات، وتدهور الأوضاع المعيشية، باتت الحاجة ماسة إلى حلول عملية ومستدامة لمواجهة الفقر والبطالة.

حكومة الانقلاب، التي تواجه ضغوطًا متزايدة من الداخل والخارج، ترى في إحياء التكية الإسلامية نموذجًا تقليديًا وفعالًا للتكافل الاجتماعي، يمكن أن يسهم في تخفيف معاناة الفئات الأكثر هشاشة.

تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي في حكومة الانقلاب، التي أدلت بها في بداية عام 2025، أكدت أن هناك دراسة جادة لإعادة إحياء فكرة التكية الإسلامية، مشيرة إلى أن الهدف هو خلق شبكة دعم اجتماعي متكاملة تعتمد على القيم الإسلامية الأصيلة، وتستفيد من التجارب التاريخية الناجحة في هذا المجال.

الوزيرة أوضحت أن هذا المشروع يهدف إلى توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليمية للفقراء والمحتاجين، مع التركيز على استدامة الدعم من خلال الوقفيات والعقارات التي تدر دخلًا مستمرًا.

 

الدوافع والأهداف

تتعدد دوافع الحكومة للتركيز على فكرة التكية الإسلامية في الوقت الراهن، منها:

  • مواجهة الفقر والبطالة: حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 30% في بعض المناطق، مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل، مما يستدعي تدخلات اجتماعية عاجلة.
  • تعزيز التكافل الاجتماعي: في ظل تراجع دور المؤسسات الخيرية التقليدية، تسعى حكومة الانقلاب إلى استعادة دور التكايا كمراكز تجمع بين العمل الخيري والتربوي والديني.
  • توفير الدعم المستدام: من خلال الوقفيات التي تدر دخلًا ثابتًا، مما يضمن استمرار عمل التكايا دون اعتماد كلي على المساعدات الخارجية.

 

أهمية التكية في التاريخ الإسلامي

التكية كانت ولا تزال رمزًا للتكافل الاجتماعي في الحضارة الإسلامية، حيث لعبت دورًا حيويًا في رعاية الفقراء والمحتاجين، وتوفير الغذاء والمأوى، بالإضافة إلى دعم العلماء والمتصوفة. في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، كانت التكايا تمثل نموذجًا متكاملًا من العمل الخيري، حيث كانت تقدم آلاف الأرغفة يوميًا، وتوفر الحساء والخبز والمأوى، وتعمل على مدار الساعة دون توقف.

وقد ساهمت التكايا في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وكانت ملجأً للغرباء والمسافرين، كما كانت مركزًا لتعليم الدين والعلوم، ما جعلها مؤسسة ذات بعد اجتماعي وثقافي عميق.

في فلسطين، تكية «سيدنا إبراهيم» في الخليل تعد من أقدم التكايا، وتواصل عملها حتى اليوم، حيث تقدم وجبات يومية لعشرات الأسر المحتاجة، وتدار من قبل وزارة الأوقاف الإسلامية بعدة موظفين يعملون بجد على مدار العام.

 

تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي

في مقابلة صحفية أجريت في مارس 2025، أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن الحكومة تعكف على دراسة شاملة لإعادة إحياء التكية الإسلامية، مشيرة إلى أن المشروع سيشمل تحديث البنية التحتية للتكايا القديمة، وإنشاء تكايا جديدة في المناطق الأكثر حاجة. الوزيرة قالت:

"إحياء التكية ليس مجرد استعادة لمؤسسة تاريخية، بل هو مشروع وطني للتكافل الاجتماعي، يهدف إلى توفير الدعم الغذائي والمادي للمحتاجين، ويعزز من قيم التعاون والتضامن التي حث عليها الإسلام".

وأضافت أن الحكومة تعمل على تأمين التمويل اللازم من خلال الوقفيات والتبرعات، مع إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان استدامة المشروع.

 

التحديات

رغم أهمية المشروع، تواجه الحكومة تحديات عدة، منها:

  • توفير التمويل الكافي: خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
  • تنظيم العمل وضمان الشفافية: لتفادي الفساد وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
  • تحديث آليات العمل: بما يتناسب مع متطلبات العصر دون فقدان الطابع الإسلامي والتاريخي.
  • توعية المجتمع: بأهمية التكية ودورها في التكافل الاجتماعي.