تقول جيدا كمهاوي في مقال على موقع العربي الجديد إن "المسيرة العالمية إلى غزة" لم تكن مجرد لفتة رمزية، بل تحديًا مباشرًا للحصار الإسرائيلي، ومحاولة لاختراقه بالحضور الميداني. جاءت المسيرة بعد عامين من القصف المستمر لغزة وسط صمت دولي، بينما يواصل الاحتلال محو القطاع وسط دعم وتسليح غربي وبيانات أممية خاوية.

وتقول الكاتبة : "شاركتُ في هذه المسيرة على أنها صيحة فردية في وجه آلة القتل، دعوة لمئات الأشخاص من 57 دولة، يمولون مشاركتهم بأنفسهم، للمشي نحو معبر رفح والاحتجاج عنده لثلاثة أيام مطالبين بفتح الممرات الإنسانية. بلا حكومات، بلا شعارات سياسية، فقط قوة الناس".

لكن لحظة وصولنا إلى مصر، بدأ القمع. انتشرت أخبار عن اعتقال النشطاء في المطار ومصادرة جوازاتهم. القاهرة بدت كمنطقة عسكرية: مدرعات وجنود في كل زاوية. أُلغيَت نقاط اللقاء فجأة، واعتُقل المنسقون. البعض اختفى. تحوّلنا لمعارضين نتسلل في مجموعات صغيرة ونتواصل همسًا في بهو الفنادق. داهمت الشرطة الفنادق عشوائيًّا، واقتادت نشطاء من غرفهم. عند الفجر، استقللت سيارة مع أحد النشطاء إلى الإسماعيلية، نقطة تجمع بديلة.

عند أول بوابة رسوم، أوقفنا الأمن، كما في كل نقطة بعدها. سألوا عن الجوازات ووعدوا بتفتيش سريع، لكنهم كذبوا. احتُجزنا لأكثر من سبع ساعات تحت الشمس، أكثر من ألف شخص من شتى بقاع الأرض بلا وثائق، من بينهم حفيد نيلسون مانديلا، الذي طالب بالإفراج عنا، بلا جدوى. طوّقنا شرطة مكافحة الشغب، ووجهوا البنادق نحونا. عندما حاولت سيدة مسنة المغادرة، دُفعت بعنف إلى داخل الطوق الأمني.

قررنا أن نبقى. أن نعتصم في المكان. أن نكمل المسيرة. أن لا نصمت.

أعادوا جوازاتنا أخيرًا، لكن بطريقة مهينة. ألقاها الضباط على الأرض، ينادون بأسماء مشوهة: "صوفيا؟ محمد؟ محمود؟". تزاحمنا كاللاجئين نبحث عنها بين التراب.

ثم جاءت الإهانة الأخيرة: صناديق زجاجات مياه بلاستيكية. ظنناها للشراب. لكن الهدف كان مختلفًا. اقتحم المكان عشرات البدو، بعضهم مراهقون، يضربوننا بزجاجات المياه وسياط الجمال، يصرخون: "خونة!"، بينما يشاهدهم ضباط بملابس مدنية ويوجهونهم.

أُصيب كثيرون، وجرّونا من شعرنا إلى الحافلات. بعضنا رُحّل إلى المطار، وبعضنا أُلقي به على الطرق السريعة مع تهديد صريح: "لا تعودوا".

لكن ما لم يدركه النظام المصري، حسب الكاتبة، هو أن من شاركوا في المسيرة — نحو 1200 شخص — جاءوا من ست قارات، وعلى نفقتهم الخاصة، مدفوعين بإيمان راسخ: أن لكل إنسان الحق في العيش بكرامة. وهذا الإيمان لا يمكن ترحيله.

وفي الختام، تروي الكاتبة لحظتها الأخيرة في مصر: أثناء الطيران فوق سيناء، لمعت غزة على خريطة الطائرة. فهمت حينها أن المسيرة لم تنجح. لكن الحركة؟ بالكاد بدأت.
 

https://www.newarab.com/opinion/egypt-treated-those-marching-gaza-criminals-i-was-there-0