في مشهد يقطر وجعًا ويُدوّي بصمتٍ ثقيل في أعماق الضمير، استيقظت منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة على فاجعة إنسانية تفوق الوصف، وتعيد إلى الأذهان مآسي لم تندمل بعد، كمذبحة "الشروق" التي اهتز لها الوجدان المصري حين خنقت أم أطفالها الثلاثة.
هذه المرة، المشهد أكثر رعبًا وأشد قسوة: أمٌ تذبح طفليها الصغيرين، ثم تلقي بنفسها في نهر النيل، طلبًا لما ظنّت أنه الخلاص من عذابٍ داخلي لا يُحتمل.
تفاصيل الجريمة
تفاصيل الجريمة تنغرز كالسكين في القلب؛ الأب العائد من عمله، لا يحمل سوى لهفة اللقاء المعتاد، يصعق بمنظر لا تحتمله العيون: جسدا طفليه الصغيرين، وقد قُيّدت أيديهما وركبتهما، ملقيين بلا حراك، وإلى جوارهما أدوات الجريمة البشعة؛ شريط لاصق، حبل، وسكين أنهى براءتهما إلى الأبد. زاد الطعنة ألمًا، مكالمة وردت من شقيق زوجته تخبره أن زوجته قتلت الطفلين وغادرت لإلقاء نفسها في النيل.
هرعت قوات الأمن والإنقاذ النهري، وتمكنت من انتشال الأم وهي على قيد الحياة، جسدها حيّ لكن روحها منهارة. نُقلت إلى المستشفى في حالة صحية ونفسية متدهورة، قبل أن تُسلَّم إلى السلطات للتحقيق في واحدة من أكثر الجرائم العائلية إيلامًا في ذاكرة المصريين.
جريمة العمرانية لم تكن مجرد حادثة، بل جرح مفتوح في قلب مجتمع يئن تحت وطأة أزمات صامتة، وظلال كثيفة من الألم النفسي، وقصور واضح في منظومة الدعم النفسي والاجتماعي، تدفع ببعض الأرواح الضعيفة إلى هاوية بلا قاع.
كشفت التحريات الأولية التي أجرتها الأجهزة الأمنية أن الأم، التي تقف في قلب هذه الفاجعة، أقرت خلال التحقيقات بارتكابها الجريمة، مبررة فعلتها بسنوات طويلة من المعاناة والضرب والإيذاء النفسي والبدني الذي كانت تتعرض له على يد زوجها، الذي –بحسب أقوالها– مدمن على تعاطي المواد المخدرة. وفي لحظة انكسار داخلي كامل، وصفت حياتها بـ"الجحيم المستعر" الذي لم تعد تقوى على احتماله، وقالت إنها رأت في الموت خلاصًا لها ولطفليها من عذاب لا يُحتمل، فقررت إنهاء معاناتهم جميعًا بطريقة مأساوية.
الأم، التي حاولت الانتحار بإلقاء نفسها في نهر النيل عقب ارتكابها الجريمة، أصيبت بجروح متفرقة أثناء محاولتها، لكن سرعة تدخل الأهالي وفِرَق الإنقاذ حال دون وفاتها، حيث تم انتشالها ونقلها إلى المستشفى في حالة صحية حرجة.
في المقابل، يعيش الأب حالة من الصدمة والانهيار التام، مذهولًا أمام هول ما جرى داخل منزله، وسط صمت ثقيل خيم على الجيران والمحيطين بالأسرة. وقد انتقلت النيابة العامة إلى موقع الجريمة لإجراء المعاينة اللازمة، وأمرت بنقل جثتي الطفلين –البالغين من العمر خمس وثلاث سنوات– إلى مشرحة زينهم، تمهيدًا لعرضهما على الطب الشرعي لتحديد الأسباب الدقيقة للوفاة.
كما قررت النيابة العامة حبس الأم احتياطيًا على ذمة التحقيقات، وطلبت تقريرًا مفصلًا عن حالتها النفسية والصحية من الجهات المختصة، تمهيدًا لتقييم مدى مسؤوليتها الجنائية عن الواقعة. وفتحت النيابة تحقيقًا موسعًا لكشف ملابسات الجريمة ودوافعها، خصوصًا ما ورد في أقوال المتهمة بشأن تعرضها للعنف المستمر من زوجها، وتعاطيه المزمن للمخدرات.
وتأتي هذه الجريمة المفجعة بعد أيام فقط من صدمة مماثلة عاشها الشارع المصري، في واقعة "الشروق" التي أقدمت فيها أم على خنق أطفالها الثلاثة داخل فيلا سكنية، في مشهد مأساوي لم تندمل جراحه بعد، لتفتح الجريمتان معًا بابًا واسعًا من الأسئلة حول الضغوط النفسية والانهيارات الصامتة داخل جدران المنازل، وما إذا كان المجتمع يمتلك أدوات الحماية والرصد الكافية قبل أن تقع الكارثة.
الصراعات النفسية للأسر المصرية
تسلّط هذه الجريمة المروّعة الضوء مجددًا على المعاناة النفسية الخفية التي قد تتفاقم داخل بعض الأسر دون أن يلاحظها أحد، وتثير تساؤلات موجعة: ما مدى توافر الدعم النفسي الحقيقي للأمهات اللاتي يواجهن ضغوط الحياة بين مسؤوليات العمل والتربية والعزلة؟ وهل يملك المجتمع أدوات كافية لاكتشاف علامات الانهيار قبل أن تتحول إلى كارثة؟ من المسؤول حين تكون الجريمة وليدة الاكتئاب، ويصبح الخنق في ذهن أم محطمة وسيلة "لإنقاذ" أبنائها من عذاب متخيّل؟
وبينما تمضي العدالة في مسارها، وتواجه الأم مصيرها القانوني، تبقى الحقيقة الأكثر فجيعة أن ثلاثة أطفال فقدوا حياتهم دون ذنب، على يد من كان يُفترض أن يكون مصدر أمانهم الأول.. فإذا بها، في لحظة مظلمة، تصبح نهايتهم.
يذكر أنه في مارس الماضي، أقدمت أم أيضًا على قتل أطفالها الثلاثة، حيث عثر أهالي منطقة أبو زعبل بالقليوبية شمال البلاد على جثث 3 أطفال أشقاء، فأبلغوا الشرطة.
وكشفت التحقيقات لاحقًا أن الأم وراء ارتكاب الجريمة وقتل صغارها، إثر مرورها بحالة سيئة خاصة أنها تعاني من مرض نفسي.