شهدت سوق الأسمدة اضطرابًا حادًا خلال الأيام الماضية، بعد توقف إمدادات الغاز الطبيعي عن عدد من المصانع الكبرى، ضمن خطة طوارئ أعلنتها وزارة البترول بسبب ما وصفته بـ"تطورات عسكرية في المنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق"، في إشارة ضمنية إلى توقف الغاز الإسرائيلي.
وأكدت مصادر متعددة في القطاع الصناعي والزراعي أن توقف الإمدادات تسبب في ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة تصل إلى 10%، وسط تحذيرات من قفزات أكبر إذا استمرت الأزمة.
ووفقًا لتقديرات أولية، فإن تراجع الإنتاج بين 300 إلى 400 ألف طن سيكبد المصانع خسائر تقدر بنحو 100 مليون دولار، ويهدد بتقليص الحصيلة الدولارية من صادرات القطاع.
خطة طوارئ حكومية.. والكهرباء تلتهم الغاز
وكانت وزارة البترول قد أعلنت نهاية الأسبوع الماضي عن بدء تطبيق خطة طوارئ تقضي بإعطاء الأولوية في ضخ الغاز لمحطات توليد الكهرباء، مع التحول إلى استخدام المازوت والسولار لتعويض النقص.
وتشمل الخطة وقف إمدادات الغاز لبعض الصناعات الكثيفة الاستهلاك، وعلى رأسها مصانع الأسمدة، وهو ما فاقم الأزمة في السوق.
ويستهلك السوق المصري نحو 6.2 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، مع توقعات بارتفاع الاستهلاك خلال الصيف بسبب زيادة الطلب على الكهرباء، التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز والمازوت.
الإنتاج يتراجع.. والصادرات في مهب الريح
قال محمد الخشن، رئيس جمعية موزعي الأسمدة ومالك أحد أكبر مصانع القطاع، إن توقف الإمداد لمدة 14 يومًا يقلص إنتاجية المصانع بنحو 300 إلى 400 ألف طن، وهو ما ينعكس مباشرة في خسائر تقدر بـ100 مليون دولار.
وأوضح أن السوق المحلية شهدت بالفعل ارتفاعًا في أسعار الأسمدة بنسبة 10% لتسجل 22 ألف جنيه للطن، محذرًا من أنها قد تقفز إلى 28 أو 30 ألف جنيه إذا استمر توقف الغاز.
وتُعد الأسمدة أحد أهم بنود الصادرات المصرية في قطاع الكيماويات، إذ تمثل ما يقارب 60% من إجمالي صادرات القطاع، بما يزيد على 2 مليار دولار سنويًا.
غير أن المؤشرات الحالية تشير إلى تراجع حاد؛ فقد انخفضت صادرات الأسمدة خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 6.4%، مسجلة 619 مليون دولار فقط.
مصانع متوقفة.. والأسواق تترقب
مصدر مسؤول في غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، طلب عدم نشر اسمه، أكد أن نحو ستة مصانع توقفت عن الإنتاج، مشيرًا إلى أن إنتاج كل مصنع يتراوح ما بين 50 إلى 150 ألف طن شهريًا.
وشدد على أن توقف الإنتاج سيعيد توجيه الإنتاج المحدود نحو السوق المحلية، ما يعني تراجعًا جديدًا في الصادرات خلال النصف الثاني من العام.
وأشار إلى أن الغاز يمثل ما بين 60 إلى 70% من مدخلات إنتاج الأسمدة، ما يجعل توقف الإمدادات تحديًا وجوديًا للمصانع، خاصة في ظل التزام الحكومة بأولوية تشغيل الكهرباء.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة "أبو قير للأسمدة" يوم الأحد الماضي، بدء تنفيذ خطة صيانة شاملة لحين تحسن إمدادات الغاز، مشيرة إلى أن الأزمة ترتبط بشكل مباشر بتداعيات الحرب الجارية في الشرق الأوسط.
الفلاحون في مرمى الأزمة.. ولكن ليس بعد
من جهته، أكد نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن أن الأزمة لم تؤثر بعد بشكل حاد على السوق، بسبب انخفاض الطلب في هذه الفترة من الموسم الزراعي، إلى جانب وجود مخزون كافٍ لدى الجمعيات الزراعية.
إلا أنه حذر من أن استمرار الأزمة سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في الأسعار، خاصة مع اقتراب موسم الذروة الزراعية في سبتمبر وأكتوبر.
سياق متشابك.. وتداعيات تمتد
الأزمة الحالية تأتي امتدادًا لمشهد متكرر؛ فشركات إنتاج الأسمدة الكبرى مثل "كيما" و"موبكو" و"أبو قير" اضطرت العام الماضي إلى وقف مؤقت للإنتاج بسبب نقص الغاز، في ظل ضغوط محلية ودولية على ملف الطاقة في مصر، خاصة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي ينص على تحرير أسعار الطاقة تدريجيًا.
وفي أبريل الماضي، رفعت وزارة البترول أسعار الوقود بمقدار جنيهان للتر الواحد، كما أبلغت وزارة الزراعة مديرياتها بزيادة تكلفة نقل الأسمدة بمقدار 80 جنيهًا للطن، ما شكّل ضغوطًا إضافية على المزارعين.
وبحسب بيانات رسمية، بلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة نحو 8 ملايين طن سنويًا، يتم تصدير نحو 4 ملايين طن منها، وهو ما يعكس حجم الخسارة المحتملة في حالة استمرار توقف الضخ وتوجيه الإنتاج بالكامل للسوق المحلية.