في مشهد يتكرر بوحشية صادمة، تحوّلت شوارع مصر إلى ساحات مفتوحة لسقوط مواطنين برصاص الشرطة، لا لذنب سوى خلافات عابرة أو احتجاجات سلمية. قتلى بالعشرات، وقصاص غائب، وسط صمت رسمي مريب وتواطؤ قضائي واضح. جرائم متكررة تعكس انفلاتاً أمنياً مدعوماً من نظام السيسي، حيث يتحوّل عناصر الشرطة من حماة للأمن إلى مصدر رعب وفزع للمجتمع.
وفي مشهد جديد يعيد إلى الواجهة تساؤلات مؤلمة حول سلوك الأجهزة الأمنية في حكومة السيسي، قُتل مواطن برصاص ضابط شرطة في أحد شوارع منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، أمس الخميس، إثر مشادة كلامية نشبت بينهما بسبب خلاف على أولوية المرور.
الحادث الذي هز الرأي العام، أعاد طرح المخاوف المزمنة بشأن إفلات عناصر الشرطة من العقاب، خصوصًا في ظل تكرار وقائع استخدام القوة القاتلة دون مبرر.
وتعود تفاصيل الواقعة إلى وقوع مشاجرة لفظية بين الضحية، الذي كان يقود مركبته في أحد الشوارع الحيوية بمنطقة الهرم، وبين ضابط شرطة لم تُكشف هويته رسميًا بعد، تصادف مروره بالمكان في ذات اللحظة. وبحسب روايات شهود العيان، تصاعدت حدة التوتر سريعًا، إذ أصر كل طرف على أحقية المرور، قبل أن يفاجأ السائق بقيام الضابط بإشهار سلاحه الميري وإطلاق النار عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور.
وخلال الفترة من 2020 إلى يونيو 2025 وقعت عشرات حوادث القتل المتعمد للمواطنين، من دون أن يحاكم في معظمها ضباط الشرطة، أو يتعرض بعضهم لمحاكمات شكلية بهدف تهدئة الرأي العام، بينما يظل التعدي وإشهار السلاح للمواطنين قائمًا.
ومن أشهر حوادث قتل شرطة السيسي للمواطنين:
1 - مقتل بائع الشاي في القاهرة الجديدة – إبريل 2020
خلال مشادة حول سعر كوب شاي، أطلق ضابط رصاصًا على البائع، فقتله وأصاب اثنين، وأسفرت الواقعة عن احتجاجات شعبية وتدخل النيابة، وتم إحالة الشرطي للمحاكمة بتهمة القتل العمد.
2 - مقتل سائق نقل صغير – فبراير 2021
قتل شرطي سائق توك توك نزولًا عند خلاف حول تعريفة النقل، وقد حكم عليه بالسجن المؤبد بعد تحقيق وصورة فيديو نشرت الحادثة ولفتت انتباه الرأي العام.
3 - مقتل طبيب بيطري بالإسماعيلية – فبراير 2022
قتل ضابط شرطة طبيبًا أثناء توقيفه، وبررت الأجهزة ذلك بإصرار الضحية على المغادرة، لكنه حُكم على الضابط بالسجن 8 سنوات .
4 - مقتل سائق في الدرب الأحمر – فبراير 2023
بعد خلاف بسيط حول سعر "التريلا"، استخدم رقيب شرطة سلاحه، فأردى سائقاً قُتِل فوريًا. وحُكم عليه بالسجن المؤبد.
5 - مقتل 3 مدنيين في التجمع الأول – مارس 2023
أطلق أمين شرطة رصاصاً عشوائياً، مما أدى لقتل ثلاثة مدنيين أثناء تواجدهم أمام محلّ، وفرّ من المكان قبل أن يُقبض عليه لاحقاً.
6 - مقتل سائحين إسرائيليين ومرشد مصري في الإسكندرية – أكتوبر 2023
ضابط شرطة فتح النار على مجموعة من السياح، فأردى سائحين ومصريًا، وجرح ثالثاً، وألقت الداخلية القبض على المتهم، وقد أثار الحادث جدلاً واسعًا.
7 - مقتل شاب داخل قسم الهرم – يوليو 2024
زعم مسئولون أن الشاب توفي إثر أزمة قلبية، لكن عائلته تقدّمت ببلاغ عن تعذيب داخله السجن، والتحقيقات لا تزال جارية.
8 - فيديو تعذيب في قسم السلام – يناير 2022
فيديو صادم تعرض فيه معتقل للتعذيب من قبل أحد أفرد الشرطة، وصدر حكم لسجن الشرطي المتورط ثلاث سنوات فقط.
9 - ضابط شرطة يقتل طالبًا بالإسكندرية - مايو 2025
قال أيمن حسن إن ضابط مباحث قسم العطارين-الإسكندرية (سعيد صالح) قتل ابنه الطفل (محمد أيمن حسن عبدالشافي)، بالصف الرابع بالمدارس العسكرية الصناعية، (بحدود 17 سنة) وأخفي الأدلة التي تثبت قتله له، بعد اعتداء سعيد صالح المبرح عليه، ما أدى لتوقف عضلة القلب وفشلت جهود الأطباء في إفاقته!
10 - 14 حالة إطلاق نار غير مبرر من قوات الأمن خلال عامي 2020–2021
رصدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقارير لها (2021)14 حالة إطلاق نار غير مبرر من قوات الأمن خلال عامي 2020–2021، دون متابعة قانونية جادة .
وفي ظل غياب أي بيان رسمي من وزارة الداخلية في حكومة السيسي على الكثير من هذه الحوادث، تسود حالة من الترقب الحذر في الأوساط الشعبية والإعلامية، بانتظار نتائج التحقيقات وتوجهات القضاء. وهو ترقب لا يخلو من القلق، إذ سبق وأن انتهت حالات مشابهة بأحكام مخففة أو بحفظ القضية، رغم توافر أدلة دامغة في بعضها.
ويرى مراقبون أن هذه الحوادث ليست منعزلة عن منظومة أعمق من الانتهاكات الأمنية التي تضرب بجذورها في عمق المؤسسات، لا سيما في ظل ضعف الرقابة، وغياب الشفافية، وافتقار الجهاز الأمني لمنظومة تدريب واضحة على احتواء المواقف المدنية المتوترة دون اللجوء للعنف.
وتعيد هذه الوقائع، وغيرها، إلى الأذهان سلسلة من الجرائم المشابهة، راح ضحيتها مواطنون برصاص رجال الشرطة في ظروف مثيرة للقلق، تعكس خللًا بنيويًا في فلسفة التعامل الأمني مع المواطن. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن رجل الشرطة هو المسؤول الأول عن حماية الأرواح، يتحول في بعض الحالات إلى مصدر تهديد مباشر لها، دون أن يجد من يوقفه أو يراجعه.
ويحذر حقوقيون من أن تراكم هذه الحوادث دون محاسبة جادة يقوّض أسس العدالة، ويعزز شعورًا متناميًا في الشارع المصري بأن القانون لا يُطبّق على الجميع، وأن حمل السلاح في يد رجل الأمن قد يعني امتيازًا فوق المساءلة، حتى حين يُسفك الدم بغير وجه حق.
ومع غياب الشفافية حتى الآن، تبقى الأنظار معلقة على مصير هذه القضايا، في اختبار جديد لعدالة مهددة بفقدان ما تبقى من مصداقيتها.