في 11–12 يونيو 2025، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تعديلات مهمة على استشارات السفر الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك بدء سحب "الموظفين غير الأساسيين" من بعثتها في العراق، وتقديم خيارات السفر "الطوعي" لأُسر العسكريين في البحرين والكويت.

هذه الخطوة جاءت قبيل انطلاق الجولة السادسة من المحادثات النووية مع إيران في مسقط الأحد، في ظل تصاعد تهديدات طهران باستهداف القواعد الأمريكية إذا تعرّضت منشآتها النووية لضربة.

صادف توقيت القرار الصحفي حملة ضغط دبلوماسي وأمني في آن واحد، فيما تحاول واشنطن تقليص التوتر المتصاعد، في الوقت الذي يُشكّك فيه ترامب علناً بإمكانية التوصل لاتفاق مع إيران ووصل الحد إلى تهديد مباشر بتقليص الوجود الأمريكي "لأنّه قد يصبح مكانًا خطيرًا".

 

الانعكاسات الاقتصادية.. القفزة في أسعار النفط

بمجرد الإعلان عن عمليات السحب الجزئي، ارتفعت أسعار النفط العالمية بنسبة تتجاوز 4.9 ٪، تُظهر هذه القفزة أن الأسواق المالية ما زالت تفتقر إلى الثقة باستقرار الإمدادات المتدفقة من الخليج، رغم تأكيد مسؤولين عراقيين أن عمليات التنقيب والتصدير لم تتأثر.

هذه الحساسية في أسواق الطاقة إن دلّت على شيء، فهي دلالة واضحة على هشاشة المنطقة، وقدرتها على تحريك ديناميات اقتصاد عالمي بأكمله.

 

رسالة سياسية..

تصريحات الرئيس ترامب بأن إيران "لا يجب أن تملك سلاحًا نوويًا"، وقراره سحب عائلات العاملين في الشرق الأوسط، تُفسّر وفق قراءة استراتيجية للمرحلة.

فمن ناحية، هي رسالة أمنية إلى الداخل الأمريكي والمجتمع الدولي تُظهر قوة إدارة البيت الأبيض وجديتها في حماية مواطنيها.

بينما يرى آخرون أنها "رسالة ضعف" أمام إيران وحلفائها، لأن أي سحب ورد فعل مماثل يُفهم دوماً كخروج مبكّر من لعبة النفوذ الإقليمي.

 

دوافع واشنطن.. الخوف من تصعيد واسع؟

الأمريكيون يخشون توسّع النزاع من جولة نووية إلى مواجهة عسكرية شاملة، تُفاقمها حوادث مثل تهديدات إيران التي قال وزير دفاعها إن لديها القدرة لضرب القواعد الأمريكية جميعها.

هذا الخوف المتجدد من ساحة تصادم مفتوحة مع طهران يستدعي من واشنطن تقليص أهدافها، والابتعاد عن هجوم محتمل قد يجرّ المنطقة إلى كارثة إنسانية وأمنية.

كما يعكس نقصاً في الثقة بالدور الإسرائيلي، الذي يتهيأ لهجوم محتمل على مواقع إيرانية، ما قد يجرّ واشنطن إلى مستنقع غير مرغوب فيه.

 

تحليلات خبراء.. الأرقام

  • وفق تقرير رويترز، ارتفعت أسعار النفط 4 ٪ فور إعلان الإجلاء.
  • التقارير الدولية تشير إلى أن إيران بنت موقع تخصيب ثالث داخل الأراضي الإيرانية، بعد أن اتّهمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم الالتزام باعتبارات الاتفاق النووي، وهو ما يزيد المخاوف من تصعيد إقليمي .
  • بيان أوروبي-بريطاني حذر السفن التجارية من العبور عبر مضيق هرمز والخليج بعد موجة التهديدات الأخيرة.

تلتقط هذه الأرقام صورة مفادها أن المنطقة لا تزال مختلة، وأن أي خطأ تقديري قد يدفع لصراع جادّ يزعزع استقرار المنطقة.

 

ماذا يخاف الأمريكيون؟ وماذا يتوقعون؟

ماذا يخافون؟

  • تصعيد عسكري مفاجئ: وجود قوات إيرانية مسلحة بالقرب من قواعد أمريكية، إضافة إلى تهديدات بتصعيد الرد، تجعل واشنطن أمام احتمال مواجهة مباشرة.
  • خسارة نفوذ اقتصادي: تفاقم الأوضاع يضغط على الأسواق ويعطي نتائج عكسية للسياسة الأمريكية، خاصة في ملف الطاقة.
  • ضغوط داخلية مع اقتراب انتخابات: أي تلكؤ أو ضحية أمريكية جديدة يعرض الإدارة السياسية لانتقادات شعبية حادة تتهمها بفشل إدارة الأمن القومي.

 

ماذا يتوقعون؟

  • ضربة استباقية: تحركات مثل إجلاء الأُسر نجمت عن تحليلات استخباراتية تقول إن هجومًا إسرائيليًا ضد إيران قد يكون وشيكاً.
  • انهيار الجولات الدبلوماسية: تصريحات ترامب بأن التفاؤل بالمحادثات النووية يتراجع، وأن مهلة مقبلة للحصول على اتفاق أصبحت ضيقة، تُنبئ بإمكانية فشل المفاوضات.
  • توسّع رقعة المواجهة: من إسرائيل إلى العراق، وربما سوريا واليمن، ما يُشعل فتيل مواجهة إقليمية شاملة.

 

توقعات الأحداث المستقبلية

من المتوقع أن تشهد المنطقة مزيداً من التوترات والصراعات في الأشهر القادمة، مع احتمالية تصعيد النزاعات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى استمرار الصراعات الداخلية في دول مثل العراق وسوريا واليمن.

هذا الوضع يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات احترازية مثل إجلاء الموظفين وتحذير مواطنيها، كما قد يؤدي إلى إعادة تقييم للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وربما زيادة الدعم العسكري والاستخباراتي لحلفائها.

كما أن هذه التحذيرات قد تؤثر على العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول في المنطقة، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي الإقليمي.

الإعلان الأمريكي عن تخفيف التواجد الدبلوماسي والعسكري في العراق ودول الخليج ليس مجرد إجراء احترازي، بل استراتيجية مزوّدة برسائل قوية: رفض لامتلاك إيران سلاحاً نووياً، وخوف من حرب محتملة، وضغط على طهران قبل المحادثات.

هذا الحراك يعكس هشاشة خريطة الأمن الإقليمي الأمريكي، ويعيد طرح السؤال: هل نجحت واشنطن في ترسيخ توازن رادع، أم أنها تستجدي التقهقر؟

الأرقام والمؤشرات الحالية، من ارتفاع النفط إلى تصريحات ترامب وتصاعد منسوب التوتر، تشير إلى أن المنطقة على حافة منعطف خطير، الواقع السياسي الأمني بات يتطلب مراقبة دقيقة، وتحليلاً واعياً لفهم ما وراء استشارات السفر: تخوّف سياسي، لا مجرد احتياطات.