رصدت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير لويليام كريستو تصاعدًا غير مسبوق في نهب الآثار وبيعها عبر الإنترنت في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. ليلًا، يحفر لصوص القبور باستخدام الفؤوس والمعاول والمطارق الهوائية، باحثين عن كنوز مدفونة منذ أكثر من ألفي عام في مدينة تدمر الأثرية. تظهر آثار هذا الدمار نهارًا على هيئة حفر عميقة في الأرض، حيث تجذب المقابر القديمة الباحثين عن الذهب الجنائزي والتحف التي تباع بآلاف الدولارات.
ووصف محمد الفارس، الناشط في منظمة "التراث من أجل السلام" وأحد سكان تدمر، تأثير عمليات الحفر بقوله إن خلط الطبقات الأثرية المختلفة يطمس المعالم ويعقّد عمل علماء الآثار. وبينما كان يقف وسط بقايا مقبرة منهوبة، التقط قطعة فخارية محطمة ووضعها بجوار ذيل صدئ لقذيفة هاون. عانت تدمر من دمار شديد خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015، عندما فجّر المتشددون أجزاء من الموقع الأثري واعتبروه "أوثانًا كافرة".
لا تقتصر الأزمة على تدمر. أشار خبراء إلى أن تهريب الآثار في سوريا ازداد بشكل حاد منذ انهيار النظام، وفقًا لمشروع "تحقيق تهريب الآثار والأنثروبولوجيا التراثية" (آثار)، الذي وثّق منذ 2012 أكثر من 1500 حالة، بينها نحو ثلث فقط منذ ديسمبر.
أوضح عمرو الأزم، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والأنثروبولوجيا في جامعة شووني الحكومية في أوهايو وأحد مديري مشروع آثار، أن انهيار الأجهزة الأمنية وانتشار الفقر أطلقا موجة "اندفاع نحو الذهب". تحوي سوريا، الواقعة في قلب الهلال الخصيب، كنوزًا أثرية من الفسيفساء والتماثيل والمصنوعات القديمة التي تستهوي هواة الجمع في الغرب.
نشرت حسابات على فيسبوك عروضًا لبيع عملات قديمة، منها منشور يعود لديسمبر قال فيه المستخدم: "أحتفظ بها منذ 15 سنة، سوريا حرة". علّقت كايتي بول، المديرة المشاركة لمشروع أثر ومديرة مشروع الشفافية التقنية، بأن الأشهر الأخيرة شهدت "أكبر تدفق لتهريب الآثار من أي بلد على الإطلاق".
جمع المشروع قاعدة بيانات تضم أكثر من 26 ألف صورة ومقطع فيديو توثق تهريب الآثار منذ 2012. وقالت بول إن بيع الفسيفساء على فيسبوك كان يستغرق عامًا سابقًا، أما اليوم فيُباع بعضها خلال أسبوعين فقط.
حاولت الحكومة السورية الجديدة الحد من النهب عبر تقديم مكافآت لمن يسلم الآثار، وفرض عقوبات بالسجن تصل إلى 15 عامًا على المخالفين، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل انشغالها بإعادة الإعمار وضعف السيطرة. يلجأ العديد من المواطنين المعدمين إلى الحفر بحثًا عن القطع الأثرية، وشهدت دمشق تزايدًا في محلات بيع أجهزة كشف المعادن، بينما تُظهر الإعلانات على وسائل التواصل كيف يستخدمها البعض للعثور على "كنوز".
ينشط أفراد آخرون ضمن شبكات تهريب منظمة. وثّق مراقب أثري في مدينة السلمية وجود حفر بعمق 5 أمتار نُفذت بمعدات ثقيلة في موقع تل شيخ علي العائد للعصر البرونزي. قال المراقب، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفًا من الانتقام، إن النهب يحدث ليلًا ونهارًا، وإنه لا يجرؤ على الاقتراب من الموقع.
ينشر بعض الناهبين مقاطع فيديو مباشرة على فيسبوك من المواقع الأثرية، يطلبون فيها نصائح عن أماكن الحفر التالية، ويستعرضون القطع المسروقة. أظهر مقطع من مارس رجلًا يعرض فسيفساء لتمثال زيوس لا تزال في الأرض، قبل أن تظهر لاحقًا صورة لها وقد نُزعت بالكامل. وذكر الرجل أنها واحدة من أربع قطع بحوزته.
في 2020، حظرت منصة فيسبوك بيع الآثار، لكنها لم تطبّق القرار بفعالية، بحسب بول، التي أكدت متابعة عشرات المجموعات الخاصة بتجارة الآثار، بعضها يضم مئات الآلاف من الأعضاء. رفضت شركة "ميتا"، المالكة لفيسبوك، التعليق على استفسارات الصحيفة.
تستخدم هذه المجموعات كقنوات اتصال بين الناهبين المحليين وشبكات التهريب التي تنقل القطع إلى الأردن وتركيا، ثم إلى الأسواق العالمية حيث تُزوّر وثائقها وتدخل المزادات الرسمية بعد سنوات. تصل هذه القطع في النهاية إلى جامعي التحف والمتاحف في أوروبا وأمريكا.
دعا الخبراء إلى التركيز على تقليص الطلب في الغرب باعتباره المحرّك الرئيس للسوق، بدلًا من تحميل المسؤولية الكاملة على المجتمعات المنهكة داخل سوريا. قال الأزم: "ما دام الأمن غائبًا، سيستمر النهب. التركيز على العرض يبرئ مسؤولية الغرب".
في تدمر، لا يزال الفارس يتألم من حجم الدمار الذي أصاب مدينته، حيث تناثرت الحجارة المتكسرة تحت قوس النصر الروماني، وتعرضت وجوه التوابيت في "مقبرة الإخوة الثلاثة" للتشويه. يحرص مع السكان على الوقوف ليلًا لحماية ما تبقى من آثار مدينتهم المنهكة بعد 15 عامًا من الحرب.
https://www.theguardian.com/world/2025/jun/08/looted-from-syria-sold-on-facebook-antiquities-smuggling-surges-after-fall-of-assad