أعلنت شركتا "أبو قير للأسمدة" و"مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو"، وهما من أبرز منتجي الأسمدة في مصر، عن تلقيهما إخطارًا رسميًا بخفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانعهما بنسبة كبيرة لمدة أسبوعين، ما سيؤدي إلى تراجع الإنتاج بنحو 30%.
الإعلان الذي ورد في بيانين رسميين للبورصة المصرية، أعاد للأذهان أزمات مشابهة واجهها القطاع العام الماضي، لكنه هذه المرة يأتي في توقيت بالغ الحساسية مع دخول فصل الصيف، وارتفاع الطلب على الطاقة.
وتعتمد صناعة الأسمدة بشكل شبه كامل على الغاز الطبيعي كمدخل أساسي في الإنتاج، ما يجعل أي انقطاع أو تخفيض في الإمدادات سببًا مباشرًا في تعطيل عجلة الصناعة، وتأثر الصادرات، وزيادة الأسعار في السوق المحلي، وهو ما بدأت ملامحه بالظهور بالفعل.
أزمة فنية أم أزمة طاقة؟.. خلفيات التخفيض وأبعاده
بحسب مصادر مطلعة، فإن السبب الرئيسي وراء هذا التخفيض هو "أعمال صيانة دورية" في أحد خطوط تصدير الغاز الإسرائيلي، وهو ما تكرر العام الماضي، عندما اضطرت مصر إلى خفض إمدادات الغاز للقطاع الصناعي، متذرعة أيضًا بأعمال صيانة.
لكن هذه التبريرات تثير الشكوك في ظل أزمة أعمق تتعلق بانخفاض إنتاج الغاز الطبيعي، حيث تشير بيانات "جودي" إلى أن الإنتاج تراجع من 4.6 مليارات متر مكعب في يناير 2024 إلى 3.3 مليارات في فبراير 2025، وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2016.
وتمثل مصانع الأسمدة والبتروكيماويات ما يقرب من 40% من استهلاك القطاع الصناعي من الغاز، أي نحو 25% من إجمالي استهلاك مصر، ما يجعلها هدفًا دائمًا لتقليص الإمدادات عند الأزمات، على الرغم من كونها من أكثر القطاعات مساهمة في التصدير وتوفير العملة الأجنبية.
تعليق مفاجئ للقرار.. لكن الأزمة لم تُحل
وبعد ساعات من إعلان خفض الإمدادات، نقلت "سي إن بي سي عربية" عن مصادر لم تسمها أن الحكومة قررت تعليق تنفيذ القرار مؤقتًا، ما دفع بعض الشركات إلى التراجع عن الإفصاح عن تقليص الإنتاج.
ورغم هذا التعليق المؤقت، فإن القلق ما زال يخيّم على المشهد الصناعي، خصوصًا أن التخفيضات قد تُستأنف في أي لحظة، بحسب المصادر، وأن الطاقة التشغيلية الحالية لا تتجاوز 85% فقط.
وأفاد مصدر مسؤول في قطاع الأسمدة بأن المصانع، لا سيما الحكومية، تستعد للتوقف الكامل عن الإنتاج، وتتحجج بأعمال صيانة سنوية للتغطية على الانقطاع القسري في الغاز، ما ينذر بأزمة نقص معروض وارتفاع أسعار متوقع في السوق المحلي.
الطلب يتزايد.. والعرض يتراجع
مع دخول موسم الصيف، يتزايد الطلب على الكهرباء والوقود، وهو ما دفع هيئة البترول إلى طرح مناقصة عاجلة لشراء ما يصل إلى مليوني طن من زيت الوقود (المازوت) لتشغيل المحطات الكهربائية.
هذا التحرك الاستثنائي يعكس فداحة الوضع، خصوصًا أن الحكومة اضطرت العام الماضي إلى شراء شحنات غاز مسال فورية بأسعار مرتفعة، فيما يصعب حاليًا شراء شحنات جديدة في ظل تجاوز السعر العالمي 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية.
من الاكتفاء إلى الاستيراد.. رحلة التراجع
كانت مصر قد أعلنت في 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، بفضل اكتشاف حقل ظهر، لكنها عادت في السنوات الأخيرة إلى استيراد الغاز، سواء من إسرائيل أو عبر السوق العالمية.
وتستورد مصر حاليًا الغاز من إسرائيل بموجب صفقة قيمتها 15 مليار دولار موقعة عام 2020. ومع أن الحكومة تسعى إلى ترسيخ موقع مصر كمركز إقليمي للطاقة، فإن الواقع يشير إلى أنها أصبحت مستوردًا صافيا، مع عجز يومي يقدّر بنحو 2 مليار قدم مكعبة، وفق أحدث التقديرات.
القطاع الصناعي على المحك
الضرر لا يقتصر على توقف المصانع أو خسارة العوائد التصديرية، بل يمتد إلى الأمن الغذائي وأسعار السلع الزراعية، حيث تمثل الأسمدة عنصرًا حاسمًا في الزراعة، وتشير بيانات "موبكو" إلى أن 78.5% من إيراداتها في الربع الأول من 2025 جاءت من التصدير، وأن تراجع الإنتاج قد يؤثر على عقود تصديرية مهمة.
ورغم ارتفاع المبيعات الإجمالية للقطاع بنسبة 24.5%، فإن أرباح أكبر 6 شركات في القطاع تراجعت بأكثر من 57% على أساس سنوي، بسبب تقلبات العملة وتحرير سعر الصرف، ما يضاعف من حدة الأزمة المالية داخل هذه الكيانات، التي تعتبر من أكبر مصادر العملة الصعبة.