خيري عمر

 

يشكّل اندلاع الأزمة الحالية بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة الأردنية مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقة بينهما، حيث تترابط السياسة الحكومية بتصفية القدرات بتداعيات سياق من التوتر، بدأ في 2012 وتصاعدت حدّته مع مسيرة العدوان على قطاع غزّة، وخصوصاً عندما أعطى تلاقي احتجاج الشبكات الداخلية والخارجية للجماعة انطباعاً بتهديد السلطة. وهنا، تبدو أهمية تناول مُتغيرات الأزمة وانعكاسها على وضعية الجماعة في الأردن، في ظل الاستجابة المتبادلة ما بين الجماعة والدولة.

على مسار "طوفان الأقصى"، تشكّلت أحداث الأزمة الجارية مع مضي الجماعة في الاقتراب من محور المقاومة، ونظراً إلى اعتبارات الجوار الجغرافي، اتخذ حراك الإسلاميين العالمي من الأردن مركزاً للاحتجاج بمعاونة بعض هوامش الجماعة في المنافي. كانت التظاهرات والمشاركة في الإضراب العام والاعتصام أمام السفارة الأميركية أو الإسرائيلية وسائل تعبير، وصلت، في بعض مراحلها، إلى تحدّي سلطة الدولة، وخصوصاً مع انتشارها في كل المحافظات، للمطالبة بفتح الحدود ومساعدة المقاومة في غزّة.

انتشر في مارس/ آذار 2024، ما يمكن تسميته الاحتجاج الإقليمي لجماعة الإخوان، قام فيه فرع الأردن بدور قاطرة الدعوة إلى تجاوز الدولة القُطرية. فعلى مستوى الأردن، رتب "منتدى الشباب"، في حزب جبهة العمل الإسلامي، احتجاجات شاملة وطويلة، تبنّى فيها الزحف نحو الحدود ووقف الحرب، وناشد المصريين بالزحف نحو الحدود لفك الحصار. وضمن حملة أسبوع الاحتجاج، نشر صلاح عبد الحق، مسؤول فريق إخوان سايت، كلمة مرئية في 29 مارس/ 2024، أوضح فيها وقوع الدول العربية في خطأ مزدوج؛ انخفاض مستوى الرد وتكبيل الشعوب، والسماح بمرور التجارة مع الاحتلال.

وبشكل عام، تقاربت ملامح الموقف السياسي مع تطلّعات "محور المقاومة" والذي بدا متطابقاً مع النزعة الإيرانية. وفي سياق تصاعد الاحتجاج، شكّلت محاولة اجتياز عُضوي الجماعة اجتياز الحدود، ثم اعتقال خلايا تصنيع السلاح، نقطة فاصلة لمراجعة الدولة موقفها من الجماعة. ومنذ ذاك الوقت، سارت توقّعاتٌ بتغير سياسة الحكومة، خصوصاً بعد الاحتفاء بالشهيدين في ضاحية الأقصى بالعاصمة عمّان، لتكون واحدة من عوامل التوتر مع الحكومة.

وبشكل عام، اتسمت مواقف الجماعة الأردنية بالتأرجح ما بين الرغبة في تحدّي الحكومة والاعتذار عنه. وهنا، يمثّل الموقف من عملية "البحر الميت"، أكتوبر/ تشرين الأول 2024، واحداً من علامات الارتباك ما بين اختيارين؛ التطلّع إلى المشاركة في المقاومة المُسلحة والانضباط بالسياسة الخارجية للدولة. في هذه المساحة، تلعثمت القيادة في التعبير عن توجهات الجماعة، فوقعت في تناقضات ما بين تحمل المسؤولية والتنصل منها. وبينما صدر بيان الاحتفاء بالعملية، صدر آخر بالتخلي عنها.

وخلال هذه الفترة، على الرغم من حساسية تركيبة السكان من تداعيات تصاعد الاحتجاج على فقدان السيطرة على الحدود، يمكن تفسير حصول حزب جبهة العمل الإسلامي على 31 مقعداً (20%) من مقاعد المجلس محاولة لامتصاص توتر الشارع، غير أن استمرار الجماعة في الحشد تحت لافتة هذا الحزب خفض الجدوى من التفاهم حول التساند في مواجهة الضغوط الأميركية - الإسرائيلية. وفي هذا السياق، ضاعفت استجابة إخوان الأردن لفتوى "اتحاد علماء المسلمين"، من حدّة الخلاف مع الدولة، باعتباره ترابطاً مع جهات خارجية، يمثل تحدّياً مباشراً، يضع الدولة أمام الدخول منفردة في حربٍ مع إسرائيل أو مواجهة حدوث انفجار الضفة.

ومع تجاوز حكومة الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار، دشّنت جماعة إخوان الأردن حملة تظاهرات في الشهر الماضي (إبريل) ليكون السياق الأردني ضمن تسيير التنظيم العالمي للاحتجاج ضد حكومتي الأردن ومصر، وهز سيطرتهما على الحدود بتحريض الجيوش والأفراد على اجتيازها. قام محتوى الحملات الدعائية على التخوين والعمالة وتحفيز الجماهير على مقاومة السلطة والخروج عليها. طوال المرحلة، دشّنت الجماعة حملة لوسم الحكومة بتسهيل أهداف العدوان. في تظاهرات الجماعة في الأردن، يعكس ظهور شعارات، منها " يا مصر يلّا مشان الله"، قناعات الحركة بتبني خطاب عالمي يتجاوز السلطتين المركزيتين في البلدين.

على أي حال، يُعطي التحرّك المتزامن لفروع الجماعة خلاصة بوجود تنسيق في الضغط على الحكومتين، تحت مظلّة فتاوى الخروج على السلطة، متضمّنة الدعوة إلى تمرّد العسكريين، والامتناع عن التجنيد لعلة موالاة الحُكام لإسرائيل. ومع وحشية العدوان على غزّة، بدا الخطاب التعبوي قريباً من وعي الجماهير وفي واقعٍ لافت، ظهر تأثير العامل الإيراني في تلاحم خطاب الجماعة مع حزب الله والمنظمّات العراقية وحركة الحوثي. تتضح مؤشّرات هذا الجانب، ليس من إشادة المحتجين في الأردن بمحور المقاومة العراقية فقط، ولكن باندماج "قوات الفجر"، الجماعة الإسلامية" اللبنانية في محور المقاومة.

في هذا السياق، جاء قرار حكومة الأردن، 23 الشهر الماضي (إبريل) تصفية قدرات جماعة إخوان الأردن وحظرها، في سياق حملة اعتقال 16 شخصاً، ينتمي أغلبهم لحركة الإخوان/ حزب جبهة العمل الإسلامي، تحت الاتهام بصناعة السلاح والتعاون مع جهات خارجية، تمثلت ملامحها في تهديد الأمن الداخلي، والخروج على مصالح الدولة. ترافقت العمليات الأمنية مع جلسة البرلمان الأردني، رفضت فيها الكتل الحزبية الاحتجاج الدائم للجماعة، ونزعتها إلى العمل ضمن شبكات تنظيمية عابرة للحدود. كانت الكلمات بمثابة تأييد للحكومة في المضي في محاكمة المتّهمين، وتفويضها في اتخاذ سياسة جديدة تجاه الجماعة والحزب، ظهرت ملامحها في قرار وزارة الداخلية حظر نشاط الجماعة ومصادرة قدراتها الاقتصادية والمالية، لترسي نمطاً جديداً في عزل الجماعة عن أي دور سياسي أو اجتماعي.

لم يقتصر قرار الحكومة على تداعيات الخلاف في السنوات الأخيرة، لكنه اعتبر الجماعة غير قانونية منذ أكثر من 70 سنة، حيث امتنعت عن توفيق أوضاعها وفق قانون الجمعيات لعام 1954، وهو ما يرجع بالأزمة إلى عقودٍ سابقة على تشكل التوتر في 2012 عندما ظهرت تطلّعات الجماعة، ضمن سياقات "الربيع العربي"، لتعديلات دستورية تحدّ من صلاحيات الملك، لترتسم ملامح علاقات جديدة، بدأت بطلب الحكومة توفيق أوضاع الجماعة وفق قانون الجمعيات، وفي 2015، ظهر مشروع جمعية الإخوان المسلمين (عبد المجيد الذنيبات)، جمعية محلية غير مرتبطة بالتنظيم العالمي، فيما كان احتجاج الفرع الأصلي أن تأسيس الجماعة في أربعينيات القرن الماضي لم يكن بإذن من الدولة. وبهذا المعنى، تراه صيغة شراكة سياسية تزامنت مع إنشاء المملكة.

ومع تتابع الحوادث الجارية، صار وضع "إخوان" الأردن أمام اختيارين؛ رفض قرارات الحكومة أو الإذعان النسبي لها. وحسب اتجاه البيانات والتصريحات، تبدي الجماعة استجابة واسعة لتجنّب أزمة سياسية والدفاع السلمي عن مصالحها. وعلى خلاف تحدّي السلطة ما يقرب من عامي طوفان الأقصى، اتخذت الجماعة موقفاً وسطاً لامتصاص غضبة السلطة بإصدار بيان نفي الصلة بالخلايا وتصنيفها تصرّفات فردية، استندت فيه إلى تاريخية النضال الفردي ضد الاحتلال وحروب الجيش الوطني، ومآثر العلاقة التاريخية مع الأسرة الهاشمية، لتكون في حالة التواء وتراجع عن تحدّي السلطة والتخلي عن الاحتجاج.

وعلى الرغم من الطابع الداخلي للأزمة، تقاطع موقف بعض أطراف الإخوان المصريين في أولوية دعم المقاومة على اعتبارات الأمن الداخلي، داعين إلى التمرّد على قرار الحكومة بالتمسك بالسلاح والاستمرار في الاحتجاج كجزءٍ من المقاومة الشرعية للاحتلال. وفي هذا السياق، لم يختلف محتوى موقفي إخوان صفحة فيسبوك (تيار التغيير) في 18 و24 إبريل 2025 وإخوان سايت (18 إبريل) سوى في ألفاظ التعبير، فقد تشاركا في رفض قرار الحكومة تحت تصنيف دور الخلايا عملاً مقاوماً، فيما سكت فريق "إخوان أون لاين" عن إبداء رأيه، وتوقف عند تفنيد الاتهامات.

ترسم هذه التصرّفات المُركبة واقع تجاوز المصالح الأمنية القُطرية، يجري فيها تشكيل فواعل غير رسمية عابرة للأقطار، تقوم على ترابط الساحات الإخوانية ضد الحكومات. وبدا تهديد هذه الصيغة في سياقين: كان الأول في تضامن فروع الجماعة على أولوية دعم المقاومة على استقرار الحكومات/ الدول، لتواجه تهديداً مباشراً، ترجع أسبابه إلى تشابك مسارات الحرب حول غزّة، وتضامن شبكات الجماعة في لبنان ومصر والأردن، ضمن تنسيق التنظيم العالمي التحرّكات ومحتوى الشعارات.

وظهر الثاني في تضامن قطاع واسع من جماعة الإخوان المسلمين مع أحداث سورية، وتصويرها ساحة جهاد جديدة، سوف تمتد إلى الدول الإسلامية، لا سيما دول الجوار. بالنظر إلى ميراث مشاركة الأردنيين في الجهاد الأفغاني" والشيشان وغيرها، يقع الأردن في قلب تداعيات هذه الأزمات، حيث يواجه تحدّياً من الغرب والشمال، سواء بتزايد احتمالات الفوضى في الضفة الغربية، أو التفكّك الواقعي لسورية تحت تعارض نزعات الجماعات المسلحة.

وعلى الرغم من تعدّد أشكال التعبير والاحتجاج، ظلّت تحرّكات الجماعة في حالة ردة فعل، لم تستطع معه تقديم "طوفان الأقصى" نموذجاً متناسقاً مع الأمن الإقليمي، ليكون أحد أشكال تباعد أولويات الحركة والدولة، ليؤكّد على ارتباط وجود جماعة الإخوان بالصراع أو النزاع، لتقع تصرّفاتها ما بين المعارضة والتمرّد.

على أية حال، تكشف سياقات الأحداث عن أن اتساع تأثر "إخوان" الأردن بالفواعل الخارجية على حساب الانضباط بتوجّهات الدولة، راكم مصدراً دائماً لعدم الثقة، وخصوصاً مع اتساع العلاقات الشبكية مع فروع الجماعة وحلفائها في الخارج. وهنا، يقدم الترابط الهيكلي تفسيراً مباشراً لتَغير سياسة الحكومة الأردنية بعد عقود من الدمج السياسي، لتواجه الجماعة صعوبات، بسبب غموض توجهاتها، واستمرار مشكلات الأمن في محيط الأردن.