نشر موقع ميدل إيست آي مقالًا للكاتب عبد أبو شحادة تناول فيه اتساع نطاق ثقافة العنف الإسرائيلي من فلسطين المحتلة إلى المجتمعات اليهودية في الخارج، مؤكدًا أن هذه الثقافة لم تعد محصورة داخل حدود الاحتلال.
شهد الأسبوع الماضي ثلاثة أحداث مقلقة: قيد جنود طفلة فلسطينية وشقيقها البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى شجرة في الضفة الغربية، وهاجم مستوطنون سائق حافلة فلسطينيًا في القدس، واعتدى صهاينة على امرأة أمريكية في نيويورك. رغم صغر حجم هذه الوقائع مقارنة بما يحدث في غزة، إلا أن الكاتب دعا إلى فهمها في سياق مسار متصاعد يعبر الحدود.
يرى الكاتب أن الرابط بين هذه الاعتداءات ليس فقط أيديولوجية الصهاينة اليمينيين الذين نفذوها، بل أيضًا تقبّل العالم لهذا العنف الاستيطاني دون مقاومة. يرفض كثير من الصهاينة اعتبار هؤلاء المعتدين مجرد أفراد متطرفين، لأن سلوكهم يعكس نتائج "ثورة ثقافية" داخل المجتمع الإسرائيلي.
دعوات مثل "سوّوا غزة بالأرض" و"اقذفوهم في البحر"، التي كانت محصورة في الهامش، أصبحت شعارات شعبية تُترجم إلى عنف حقيقي. حتى في المجال الدبلوماسي، انعكس هذا التوجه، حيث ألغت إسرائيل تعزية رسمية بوفاة البابا فرنسيس وأرسلت ممثلًا منخفض الرتبة إلى جنازته، لأن البابا عبّر عن موقف معارض لحرب الإبادة في غزة، ما قد يضر بمصالح نتنياهو الانتخابية.
يعكس سلوك نتنياهو تخطيطًا سياسيًا دقيقًا، ويخاطب قاعدته المتمثلة في أتباع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أصبح رمزًا لدى قطاع واسع من الشباب الإسرائيلي. بن غفير برز في التسعينات عندما سرق شعار كاديلاك من سيارة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين وقال على الهواء: "إذا وصلنا للشعار، يمكننا الوصول إلى رابين". وبعدها اغتال يميني متطرف رابين.
يرفض الكاتب حصر التحول الثقافي الأخير في الحرب على غزة، ويرى أن جذوره تعود إلى ما بعد فشل اتفاق أوسلو والانتفاضة الثانية، حين رفض المجتمع الإسرائيلي التخلي عن السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أعاد نتنياهو بناء الدولة بوصفها كيانًا يهوديًا متطرفًا، لا يسعى للاندماج في العالم، بل يرى فيه تهديدًا دائمًا. تخلى عن الخطاب الليبرالي واحتضن مشروعًا استيطانيًا بلا قناع، مدعومًا بصعود اليمين الشعبوي عالميًا، لا سيما خلال عهد ترامب، وتراجع المؤسسات الدولية.
يرى الكاتب أن الأخطر من عنف الاحتلال هو استعداد العالم لقبول ثقافته. رغم تزايد الإدراك الشعبي العالمي لدور إسرائيل كمعتد، لا تزال القوى السياسية والإعلامية والاقتصادية الغربية تقدم دعمًا غير مشروط لها. ظهر هذا حين استقبلت الولايات المتحدة بن غفير كضيف شرف، بينما تجاهلت وسائل الإعلام هجوم حشد صهيوني على فتاة في نيويورك. يتساءل الكاتب: ماذا لو كان المعتدون رجالًا مسلمين؟
يشير المحلل نورمان فينكلشتاين إلى أن غياب فهم حقيقي لمعنى القوة السياسية أضعف حركة التضامن الفلسطينية، خاصة في ظل استخدام ما يُعرف بـ"ثقافة الإلغاء" لقمع الخطاب السياسي المشروع. أعطى مثالًا باستقالة عدد من رؤساء الجامعات في أمريكا نتيجة لمواقفهم من احتجاجات داعمة لفلسطين، دون أي دفاع عنهم من الديمقراطيين.
في هذا السياق، يخلص الكاتب إلى ضرورة تحرك فلسطيني جاد. يدعو إلى بناء بديل إنساني وديمقراطي في مواجهة ثقافة الإبادة، من خلال تشكيل تحالفات واسعة وتنظيم الصفوف وتطوير خطاب سياسي يوازن بين القيم الإنسانية والمطالب الوطنية، دون الوقوع في فخ الانفعال.
https://www.middleeasteye.net/opinion/palestinians-must-build-alternative-israels-culture-genocide