دخلت العلاقات بين الهند وباكستان مرحلة حرجة من التوتر بعد قرارات متبادلة تجاوزت لغة الدبلوماسية التقليدية لتقترب من أجواء الحرب. فقد أعلنت باكستان، يوم الخميس، أن أي محاولة من جانب الهند لتقليص أو قطع إمدادات نهر السند المائية ستُعد بمثابة "إعلان حرب"، مؤكدة أنها سترد على أي مساس بسيادتها بـ"إجراءات حازمة". وفي تحرك فوري، علّقت إسلام آباد جميع العمليات التجارية مع نيودلهي، بما في ذلك التعاملات عبر أطراف ثالثة، وأغلقت مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران التي تملكها أو تُديرها الهند. معاهدة السند في مهب الريح التصعيد الدراماتيكي جاء بعد إعلان الحكومة الهندية نيتها تعليق معاهدة مياه نهر السند التي تعود إلى عام 1960، والتي تنظّم تقاسم مياه ستة أنهار رئيسية بين البلدين، وتُعد واحدة من أبرز الاتفاقات التي صمدت رغم الحروب والصراعات التي اندلعت بين الطرفين منذ الاستقلال. تنص المعاهدة، التي توسط فيها البنك الدولي، على منح الهند السيطرة على مياه الأنهار الشرقية (سوتليج، بيس، ورافي)، بينما تُخصص مياه الأنهار الغربية (السند، جهيلوم، وشيناب) لباكستان. وقد شكلت هذه المعاهدة حجر أساس في العلاقات المائية المعقدة، ورافعة للاستقرار الهش بين البلدين. لكن اليوم، تبدو هذه الركيزة مهددة بالانهيار في ظل ما تعتبره باكستان محاولة هندية لـ"تسليح المياه"، وتحويلها من أداة للتعاون إلى ورقة ضغط استراتيجية. من المياه إلى الحدود والدبلوماسية وبالتوازي مع التصعيد المائي، قررت السلطات الهندية إغلاق معبر أتاري واغا الحدودي — المعبر البري الرئيسي بين البلدين — والسماح فقط بعودة حاملي الوثائق الصالحة حتى الأول من مايو المقبل. هذا المعبر، الذي ظل لعقود رمزًا للاستعراضات الوطنية والتبادل الرمزي بين الجارتين، أصبح اليوم ضحية جديدة للخلاف المتصاعد. كما أمرت نيودلهي بطرد المسؤولين الباكستانيين من أراضيها، ومنحتهم مهلة أسبوع للمغادرة، بمن فيهم الملحقون العسكريون والمستشارون الدفاعيون. وأعلنت في الوقت ذاته سحب عدد كبير من دبلوماسييها من إسلام آباد، في خطوة وصفها مراقبون بأنها غير مسبوقة منذ عقود. خلفية الصراع: كشمير على برميل بارود جاءت هذه التطورات في أعقاب هجوم دموي في جامو وكشمير — الإقليم المتنازع عليه ذو الغالبية المسلمة — أسفر عن مقتل 26 مدنيًا، واتهمت فيه الهند جماعات مسلحة تتلقى دعمًا مباشرًا من باكستان. واعتبرت نيودلهي الهجوم دليلاً على فشل إسلام آباد في "التخلي عن دعم الإرهاب العابر للحدود بشكل موثوق ولا رجعة فيه"، حسب تصريح فيكرام ميسري، وكيل وزارة الخارجية الهندية. وفي رد سريع، أعلنت باكستان عقد اجتماع طارئ لـ"لجنة الأمن القومي"، التي تضم كبار القادة المدنيين والعسكريين، لبحث الرد المناسب على الخطوات الهندية. نهر السند.. شريان حياة يتحول إلى ساحة صراع يُعد نهر السند أحد أطول الأنهار في آسيا، ويمتد عبر مناطق شديدة الحساسية جغرافيًا، ما يمنحه أهمية استراتيجية هائلة. وتعتمد باكستان على مياهه بشكل أساسي في الزراعة، وهو ما يجعل أي تهديد بتقييد تدفقه يشكل خطرًا وجوديًا على أمنها الغذائي والمائي.