أثار قرار الحكومة البريطانية بعدم دعوة الخرطوم للمشاركة في مؤتمر حول السودان غضبًا واسعًا، رغم أن القرار لم يكن مفاجئًا للمراقبين. عبّر وزير الخارجية السوداني علي يوسف عن استنكاره، مشيرًا إلى أن بريطانيا "تساوي بين دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة منذ 1956 وميليشيا إرهابية ترتكب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين".

بعد إسقاط نظام عمر البشير في أبريل 2019، حاولت بريطانيا دفع الحكومات السودانية المتعاقبة نحو أجندة موالية لها. بدا تعيين عبد الله حمدوك في أغسطس من العام نفسه كنافذة أمل حقيقية، خاصة بعد أن بدأت مراكز التفكير البريطانية مثل "تشاتام هاوس" بتقديم المشورة لحكومته. اتجهت الحكومة الجديدة إلى محاربة الفساد وتعديل الدستور لتقليص التأثير الإسلامي، مع تكليف لجنة خاصة بتفكيك النظام السابق وإعادة هيكلة أصول الجيش.

لكن القوى اليسارية بقيادة حركة "الحرية والتغيير" واجهت مشاكل، أبرزها فساد اللجنة نفسها وعدم قدرتها على تجاوز قيود اتفاق جوبا، الذي منح الحركات المسلحة الإسلامية دورًا فعّالًا في إدارة البلاد. في أكتوبر 2021، أطاح الجيش بالترتيب الانتقالي. وكشفت تسريبات لاحقًا أن حمدوك كان يقيم داخل مقر قيادة الجيش، وتمت الإطاحة به بموافقته الضمنية. ومع ازدياد الاستياء الشعبي من حكومته وعودة القوى الإسلامية، قدّم استقالته للمرة الثانية في يناير 2022.

عقب اندلاع الحرب في أبريل 2023، دعمت بريطانيا جهود حمدوك لاستدعاء قوة أممية تفصل بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنها قوبلت بالريبة، خصوصًا مع ظهور علاقات بين حركة حمدوك والدعم السريع. اختار حمدوك أديس أبابا كمقر للتحرك السياسي، ما فُسّر كمحاولة للابتعاد عن التأثيرات الخليجية، خاصة من الإمارات.

فشلت بريطانيا في إيصال مرشحها للحكم، ما أجبرها على تغيير نهجها الدبلوماسي للحفاظ على نفوذها في السودان. واستندت إلى فكرة الحياد من خلال عدم توجيه دعوة للحكومة السودانية، بينما أعادت ترتيب أوراقها في ضوء انقسام حركة "تقدم" التي يقودها حمدوك.

في الوقت ذاته، يستعد القضاء الدولي للنظر في اتهام السودان للإمارات بالتورط في الإبادة عبر دعم الدعم السريع. ويبدو أن بريطانيا ستطلق حملة دبلوماسية لاحتواء هذا الاتهام. في المقابل، تواجه كينيا مقاطعة سودانية لمنتجاتها رغم دعوتها للمؤتمر، في خطوة تشير إلى محاولة بريطانية لإعادة تشكيل المواقف الإقليمية.

تسعى بريطانيا إلى إظهار اهتمامها بالشعب السوداني وتقليل شأن مطالب الحكومة، في محاولة للفصل بين الاثنين. وتتوقع الأوساط تركيز المؤتمر على شعارات مثل "الحرية المدنية" و"الديمقراطية" و"إبعاد الجيش عن السياسة"، بينما تظل الدعوات لمساواة الدعم السريع بالجيش السوداني مرفوضة شعبيًا.

المساعدات البريطانية المتوقعة لن تكون مالية مباشرة، بل مشروطة، بالتزامن مع تغيرات ميدانية في السودان. وبعد تحرير الخرطوم والجزيرة وسنار، عاد أكثر من 400 ألف شخص خلال الشهور الثلاثة الماضية، بينهم 72 ألفًا من مصر، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. تسارعت جهود المنظمات المحلية لمكافحة المجاعة، وتحسن الوضع في المناطق المحررة، مع قرب إصلاح النظام المصرفي الإلكتروني، ما سيُعيد النشاط للأسواق الأسبوعية.

لكن جذب الدعم الغربي والاستثمارات طويلة الأجل قد يصطدم بخيارات السودان الجيوسياسية، خصوصًا إذا وافق على العرض الروسي بإنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، أو أعاد تموضعه ضمن المحور العربي بعيدًا عن مسار التطبيع مع إسرائيل.

بغض النظر عن نتائج المؤتمر، يواجه السودان تحديات كبيرة على طريق إعادة الإعمار، غير أن الأهم يبقى في تلقي الدعم الكفيل بتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة، لا مجرد دعوة رمزية لحضور مؤتمر.

https://www.middleeastmonitor.com/20250410-the-uk-decision-not-to-invite-khartoum-to-a-conference-about-sudan-prompted-anger-but-was-no-surprise/