بينما كانت الشاحنات المصرية المحمّلة بالحشود الحزبية تصل إلى معبر رفح على أنغام الأغاني الوطنية والرقصات التي وصفتها أصوات عربية بأنها "على جثث شهداء غزة"، كانت الساحة السياسية في إسرائيل تشتعل بخطاب حاد ومشحون أطلقه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، توعّد فيه بمنع دخول "حبة قمح واحدة" إلى غزة، مهاجمًا جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومحرّضًا على رئيس جهاز الشاباك.

الحدثان -الكرنفال الرسمي في رفح، والانفجار السياسي في تل أبيب- بديا كمرآتين متقابلتين، تعكسان تناقضات اللحظة، وتفضحان ازدواجية التعاطي مع الكارثة الفلسطينية، بين خطاب مقاومة يتبناه الشعب، وآخر استعراضي تتبناه الأنظمة.
 

سموتريتش يهدد الجيش: لا مساعدات لغزة ولو قُطعت الكهرباء
   في مؤتمر نظّمته صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها "واينت"، وجّه سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي وزعيم كتلة "الصهيونية الدينية"، هجومًا مباشرًا على قيادة جيشه.
وعلّق غاضبًا على تقارير تشير إلى نية الجيش استئناف دخول المساعدات لغزة، قائلًا: "لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة بطريقة قد تصل إلى حماس. هذا الخطأ الذي ارتكبناه في الجزء الأول من الحرب."

الوزير الصهيوني لم يتردد في اتهام الجيش بـ"التنسيق الإعلامي مع المستوى السياسي"، معتبرًا أن المساعدات الإنسانية تحولت إلى دعم مباشر لـ"سيطرة حماس".
وقدّر أن الحركة تلقّت ما يعادل مليار دولار نتيجة فشل إدارة ملف الإغاثة، معتبرًا ذلك "سلاحًا لوجستيًا" بيد الخصم.
 

"الحرب جيدة"... وجمهور غاضب يرد: "أعد المختطفين!"
   ولم يتوقف سموتريتش عند حدود غزة، بل ذهب إلى ما هو أبعد، حين رد على أحد الأسئلة بالقول: "إنه لأمر جيد أن الحرب اندلعت."

هذه العبارة فجّرت غضبًا في قاعة المؤتمر، خصوصًا من ذوي الأسرى، الذين قاطعوه بهتافات غاضبة: "أعد المختطفين!" ليجيبهم: "لن نخضع لحماس مقابل الأسرى. لا قيمة لدماءنا إن انسحبنا وتركناها مسيطرة."

خطاب سموتريتش عكس حالة إنكار سياسي، رفض فيه تقديم أي تنازل مقابل حياة المدنيين الإسرائيليين، مفضّلًا استمرار الحرب على أي صفقة تبادل.
 

هجوم على الشاباك.. من المسؤول عن "الفشل الفظيع"؟
   في الوقت نفسه، شنّ الوزير هجومًا على رئيس الشاباك، رونين بار، الذي تواجه حكومته معركة قضائية بعد قرار إقالته.
واعتبر سموتريتش أن بار "المسؤول المباشر عن الفشل الأمني في 7 أكتوبر"، وهاجم المحتجّين على إقالته، قائلًا: "لماذا تتوحدون خلف رئيس شاباك فاشل؟"

الهجوم جاء قبيل جلسة المحكمة العليا للنظر في التماسات ضد قرار الإقالة، في وقت وصف فيه رئيس الهستدروت أرون بار ديفيد ما يحدث بـ"الجنون"، مهددًا بإضراب عام إذا لم تحترم الحكومة قرار المحكمة.
 

رقص على جثث الشهداء.. رفح مسرح تظاهرات مُكرّرة بإخراج رسمي
على الجانب الآخر من الحدود، بدت الصورة في رفح المصرية أقرب إلى مسرحية مكررة: رقص، حشود حزبية، لافتات مكررة، وأوتوبيسات مموّلة من الدولة، في استجابة لتعليمات حزبية واضحة، تقول المصادر إنها جاءت من "القيادة العليا".

تسريبات "واتساب" من نادٍ رياضي في الإسكندرية كشفت عن تجهيزات تشمل "وجبات غداء وعشاء في العريش"، و"بدل انتقال يتراوح بين 250 إلى 500 جنيه"، فضلًا عن سيارات إسعاف مرافقة للمظاهرة.

لكن كل هذا لم يبد جديدًا؛ ففي يناير الماضي، نُظّمت وقفة مشابهة بعد تصريحات ترامب عن "تهجير سكان غزة". آنذاك، كانت اللافتات نفسها، والوجوه نفسها، في تكرار لمشهد "كرنفال سيادة" يتم إنتاجه كلما استدعت الحاجة توجيه رسالة للخارج.
 

ازدواجية القمع.. تظاهرات حزبية مباحة... وعفوية في السجون
   ورغم تساهل الدولة مع المظاهرات المنظمة من قبل الأحزاب، فإن الواقع مختلف تمامًا حين يتعلّق الأمر بأي حراك شعبي مستقل.
ففي 20 فبراير الماضي، جدّدت النيابة حبس 173 معتقلًا شاركوا في تظاهرات خرجت دعمًا لفلسطين، في القاهرة وعدد من المحافظات، دون أي غطاء رسمي.