عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أطلقت موجة جديدة من النزعة الاقتصادية القومية، وكانت إندونيسيا من أوائل المتضررين.
ففي خطوة حمائية جديدة، فرض ترامب تعريفات جمركية تصل إلى 32% على صادرات إندونيسية رئيسية تشمل المنسوجات والإلكترونيات والمأكولات البحرية والأحذية، مستهدفًا الدول التي تحقق فائضًا تجاريًا مع الولايات المتحدة.
هذا التوجه يهدد تعافي الاقتصاد الإندونيسي الهش ويدفع جاكرتا إلى الاعتراف بأن الاعتماد على الأسواق الغربية لم يعد خيارًا مضمونًا.

رغم وطأة هذه الإجراءات، إلا أنها قد تمثل فرصة لإعادة توجيه البوصلة الاقتصادية نحو الجنوب العالمي، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تحولًا اقتصاديًا يقوده كل من السعودية والإمارات وقطر.
هذه الدول تستثمر بكثافة في الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والتمويل الإسلامي، وهي مجالات تتكامل فيها إندونيسيا بشكل طبيعي، نظرًا لما تملكه من منتجات حلال، وشركات ناشئة رقمية، ومنتجات زراعية، ومنظومة مالية إسلامية ناضجة.

إندونيسيا، كأكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، تشترك مع الشرق الأوسط في الرؤية والاحتياجات الاستراتيجية.
فالجانبان يسعيان إلى تقليص الاعتماد على الغرب، وبناء قدرات اقتصادية أكثر صمودًا في وجه التقلبات الجيوسياسية. ومن هنا، فإن تعزيز الشراكة مع الشرق الأوسط لم يعد خيارًا ثانويًا بل ضرورة استراتيجية.

التأثيرات السلبية للتعريفات الجمركية الأمريكية لم تقتصر على جنوب شرق آسيا، بل طالت الشرق الأوسط أيضًا، متسببة في تقلبات بأسعار النفط، واضطراب التجارة، وزيادة التكاليف في الدول المصدّرة والمستوردة على حد سواء.
دول الخليج تواجه ضغوطًا على الإيرادات، بينما تكافح دول مثل الأردن والمغرب ومصر مع التضخم وتعطّل الصادرات. هذه المعاناة المشتركة تفتح الباب أمام تعاون أوسع بين المتضررين.

مع ذلك، لم يُظهر الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو حتى الآن اهتمامًا كبيرًا بالشرق الأوسط ضمن أولوياته الدبلوماسية.
فزياراته لقيادات السعودية والإمارات جاءت قبل توليه المنصب رسميًا، ولم يتبعها تواصل رفيع المستوى مستمر.
ويُعد هذا التقصير فرصة ضائعة، خصوصًا في وقت بدأت فيه مفاوضات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بين إندونيسيا ومجلس التعاون الخليجي، لكنها لا تزال تسير ببطء وبدون أولوية كافية من الجانب الإندونيسي.

إن كانت جاكرتا جادة بشأن تنويع قاعدتها الاقتصادية، فعليها التعامل مع هذه الاتفاقية كأولوية وطنية، لما يمكن أن تفتحه من فرص في مجالات التجارة التفضيلية، وتنقل العمالة، وجذب الاستثمارات في قطاعات الطاقة الخضراء، والتصنيع، والزراعة، والتكنولوجيا.

لكن الاتفاقيات وحدها لا تكفي. هناك حاجة لبناء روابط مؤسسية أعمق مع الشرق الأوسط، من خلال تخصيص موارد بيروقراطية، وإنشاء وحدات متخصصة في وزارة التجارة، وتفعيل دور غرف التجارة الوطنية لتسهيل التنسيق الاقتصادي والاستثماري. 

كذلك يمكن الاستفادة من الجالية الإندونيسية الكبيرة المنتشرة في السعودية والإمارات وقطر ومصر، حيث يمكن توظيف الطلاب والمهنيين والعاملين كوسطاء غير رسميين لتيسير دخول الشركات الإندونيسية إلى الأسواق العربية، ومساعدتها في تجاوز العقبات التنظيمية والثقافية.

هذه الخطوة لا تعني التخلي عن العلاقات مع الغرب، فكل من الولايات المتحدة وأوروبا سيبقيان شريكين مهمين، لكن الاعتماد المفرط عليهما بات مكلفًا، كما أثبتت الرسوم الجمركية الأخيرة.

إن لم تغتنم جاكرتا هذه اللحظة، ستجد نفسها محاصرة في زاوية متقلصة من الاقتصاد العالمي، تحت رحمة قرارات تُتخذ في عواصم بعيدة.
لكن إن تحركت الآن، يمكنها أن تعيد رسم مستقبلها الاقتصادي على أسس من التعاون الإقليمي والنمو المشترك والتضامن الجنوبي.

هذا التحول ليس مجرد تصحيح اقتصادي، بل إعادة تموضع استراتيجي. ويبدأ من إدراك بسيط: أن المستقبل لا يُرسم فقط في واشنطن أو بروكسل، بل أيضًا في الرياض، وأبوظبي، والدوحة، والقاهرة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250407-trumps-tariffs-should-push-indonesia-closer-to-the-middle-east/