كشف الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة في حكومة السيسي، أن "40% من المواطنين يعانون من فقر الدم، وأن تداعيات سوء التغذية لا تقتصر على الصحة العامة، بل تمتد لتؤثر على الاقتصاد والمجتمع ككل، وأن السمنة والأنيميا لدى الأطفال تؤثر سلبًا على الإدراك".

ووفقًا لـ "مايو كلينك"، فإن فقر الدم "مشكلة تحدث بسبب عدم وجود عدد كافٍ من كريات الدم الحمراء السليمة أو الهيموجلوبين لحمل الأكسجين إلى أنسجة الجسم. والهيموجلوبين هو بروتين يوجد في كريات الدم الحمراء، ويعمل على توصيل الأكسجين من الرئتين إلى سائر أعضاء الجسم الأخرى. يمكن أن تسبب الإصابة بفقر الدم شعورًا بالتعب والضعف وضيق النفَس".

وتقول منظمة الصحة العالمية إن فقر الدم يمكن أن يحدث بسبب سوء التغذية، وحالات العدوى، والأمراض المزمنة، والدورة الشهرية الغزيرة، ومشكلات الحمل، والسوابق العائلية للإصابة به. وغالبا ما يحدث بسبب نقص الحديد في الدم.

وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يتسبب فقر الدم في ضعف النمو المعرفي والحركي لدى الأطفال، كما يمكن أن يسبب مشكلات للحوامل وأطفالهن.

وتضع منظمة الصحة العالمية إفريقيا وجنوب شرق آسيا ضمن الأقاليم الأكثر تأثرًا بفقر الدم. وتشير تقديراتها إلى أن عدد المصابين بفقر الدم يبلغ 106 ملايين امرأة و103 ملايين طفل في إفريقيا و244 مليون امرأة و83 مليون طفل في جنوب شرق آسيا.

 

فقر الدم هل هو مشكلة وراثية؟

يقول استشاري طب الأطفال وأمراض الدم حجاج سعد - عند تحليله لحالة المواطن عبد الحميد أبو الليل، السائق السابق بهيئة النقل العام، الذي يحمل تشخيصًا بإصابته بفقر الدم - إنه لا يختلف عن حفيده الذي يعاني أيضًا المشكلة الصحية نفسها.

ويلفت سعد إلى أن الجد عانى قديما الأنيميا وفقر الدم بسبب إصابة قديمة بالبلهارسيا وديدان “الإسكارس” التي لم ترحم قطاعات واسعة من أبناء الريف المصري، لكن الجيل الحالي من الأطفال يعاني فقر الدم نتيجة سوء التغذية، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".

وبينما يؤكد سعد أن فقر الدم يؤثر في الإدراك، يحكي أبو الليل كيف عانى الضعف والهزال، وتوقف عن العمل سائقًا بهيئة النقل العام، وقال إنه يخشى على حفيده من المصير نفسه، معتبرا أن “سوء التغذية مرض يتوارثه المصريون”.

ويشير إلى أن “كُتّاب القرية” أصبح الملاذ الأخير ليلحق حفيده بالتعليم الذي تسرب منه، كغيره ممن أصيبوا بضعف الإدراك.

 

مشكلة ضعف الإدراك

وقال نبيل كارم، وهو صاحب كُتّاب لتعليم القرآن بقرية وردان بشمال الجيزة، إن أعدادًا متزايدة من المتسربين من التعليم لظروف صحية يتجهون إلى الكُتّاب ملاذًا أخيرًا.

ويرى سعد ارتباطًا وثيقًا بين فقر الدم وضعف الإدراك، مشيرًا إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين أصبحوا “نباتيين” رغما عنهم، بسبب العجز عن توفير البروتين لارتفاع أسعار اللحوم بمختلف مصادرها.

ويبلغ متوسط سعر كيلو اللحم 400 جنيه وهو ما يفوق القدرات الشرائية لقطاعات واسعة من محدودي الدخل.

 

الارتباط بين الفقر وسوء التغذية

ويرى محمد إبراهيم، الباحث الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ارتباطا وثيقا بين معدلات الفقر المتزايدة وسوء التغذية.

وقال للجزيرة مباشر إن الاحتياج إلى البروتين ليس رفاهية، موضحًا أنه يؤيد التحذير الحكومي من تراجع القدرة على العمل، مشيرًا إلى أنه “ليس مطلوبًا من الحكومة التحذير، ولكن عليها التحرك عمليًا للقضاء على الفقر”.

ولفت إلى وجود تقديرات تؤكد تراجع استهلاك المواطنين للحوم إلى نحو النصف، من 18 طنًا لكل ألف شخص عام 2018 إلى 9 أطنان لكل ألف شخص عام 2022، طبقًا لمركز “بصيرة” وجهاز الإحصاء الحكومي.

 

أرقام صادمة لسوء التغذية

وكشف وزير الصحة في حكومة السيسي، خالد عبد الغفار، مؤخرًا عن أرقام صادمة لمعدلات سوء التغذية في مصر، وقال في احتفالية إطلاق البرنامج الوطني لدعم رغيف الخبز بالمغذيات الأساسية إن 40% من المصريين يعانون فقر الدم.

وأكد عبد الغفار أن “تداعيات سوء التغذية لا تقتصر على الصحة العامة، بل تمتد لتؤثر على الاقتصاد والمجتمع كله”.

وأقر وزير الصحة بأن الأنيميا والتقزم والسمنة من أبرز المشكلات الصحية المنتشرة، وأوضح أن “الغذاء هو بيت الداء، والدول التي تمتلك نظمًا غذائية متطورة تحقق معدلات صحة أفضل، مما يستدعي سياسات غذائية أكثر كفاءة تناسب احتياجات المجتمع”.

وللخروج من الأزمة، زعم وزير الصحة أن الحكومة تتحرك لدعم رغيف الخبز بالمغذيات الأساسية، موضحًا أن كل 100 جرام من الدقيق تحتوي على 4 مليجرامات من الحديد.

كما دعا إلى رفع الوعي المجتمعي بمخاطر سوء التغذية، مشددًا على التزام الدولة بالقضاء على الجوع وتحسين التغذية.

وطبقا لمركز معلومات مجلس الوزراء، فإن إصابة 40% من المصريين بفقر الدم تسبب انخفاضًا في الطاقة الإنتاجية للفرد، وتمثل عبئًا اقتصاديًا.

 

أزمة الفقراء

وبينما تغيب التقديرات الرسمية لعدد الفقراء في مصر، كشفت وزارة التضامن الاجتماعي في فبراير 2021 أن عدد الأسر الفقيرة بلغ 8.5 ملايين، وتضم نحو 31 مليون شخص من بين تعداد سكان تجاوز 100 مليون وقتها، ويتجاوز حاليا 107 ملايين نسمة تقريبًا.

وأقر المجلس القومي للأجور، في فبراير، رفع الحد الأدنى للعاملين في القطاع الخاص من 6000 جنيه إلى 7000 جنيه.

وفي كلمة أمام مجلس النواب لدى مناقشة قانون الدعم، أقرت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي بوجود 12 مليون أسرة تحت خط الفقر.

لكن الوزيرة رأت الأمور من زاوية أخرى، وأعلنت خلال الاحتفال بيوم المرأة تقليص عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة من 7.7 ملايين أسرة إلى 4.7 ملايين فقط، بدعوى تحسُّن أحوالهم المعيشية وعدم حاجتهم إلى الدعم!