رغم مرور 18 شهرًا على المجازر في غزة، لا تزال الأحداث قادرة على إثارة الصدمة. فبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء  50 ألف شخص، فيما يواجه المزيد خطر المجاعة نتيجة الحصار الإسرائيلي وقطع المساعدات.
الهجمات الإسرائيلية عادت للتصاعد مجددًا، وتفيد تقارير الأمم المتحدة بمقتل أو تشويه نحو 100 طفل يوميًا منذ استئناف القصف المكثف الشهر الماضي.

ومع ذلك، فإن استشهاد 15 مسعفًا ومنقذًا فلسطينيًا في 23 مارس يمثّل حادثة مروّعة بشكل خاص.
ووفقًا للأمم المتحدة، تأخر جيش الاحتلال الصهيوني في السماح بالوصول إلى موقع الحادث لأيام، ولا يزال رجلًا آخر مفقودًا وكان آخر ظهور له وهو في قبضة قوات الاحتلال الصهيوني.
هناك سببان واضحان لرؤية هذه الجريمة كجريمة حرب:

  • أولًا، الأمم المتحدة تشير إلى أن الشهداء قُتلوا "واحدًا تلو الآخر"، وخبير أدلة جنائية أوضح أن مواقع الإصابات تؤكد وجود نية في التنفيذ عن قرب، ما يشير إلى إعدامات ميدانية.
    شهادتان إضافيتان أفادتا أن بعض الجثث كانت مكبّلة اليدين أو القدمين، ما يخالف اتفاقيات جنيف التي تحمي الأسرى.
  • ثانيًا، العاملون في المجال الطبي يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي.

رغم أن سيارات الإسعاف كانت مميزة وواضحة، برّر جيش الاحتلال الصهيوني الحادث بأن المركبات تقدمت "بطريقة مريبة" دون إشارات أو أضواء طوارئ، وهو ما نفاه الناجي الوحيد.
كما زعم الجيش، دون دليل، أن بين الشهداء  عناصر من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
لكن ما لا يمكن إنكاره هو النمط المتكرر من الهجمات ضد المسعفين والمنشآت الطبية: أكثر من ألف مسعف قُتلوا في غزة وفق تحقيق للجارديان، وتم تدمير المستشفيات بشكل واسع. منظمة الصحة العالمية ذكرت أن حوالي 300 من العاملين الطبيين اعتُقلوا، وتحدث بعضهم عن تعرضهم للتعذيب والتجويع والإذلال. الأطباء المتطوعون في غزة يشهدون على هجوم ممنهج على قطاع الصحة.

رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو لا يبدو منشغلاً بكل هذا.
المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بحقه بتهم ارتكاب جرائم حرب، لكن في زيارته الأخيرة للمجر، أعلنت بودابست انسحابها من المحكمة.
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منح الشرعية للذين يرون في المحكمة عدوًا ويعتبرون القانون خيارًا لا إلزامًا.

خطة الإدارة الأمريكية للسيطرة على غزة -القائمة على التهجير القسري للفلسطينيين- فتحت المجال لتصريحات وزير الدفاع الصهيوني، يوآف غالانت، الذي أعلن نية الاحتلال "السيطرة على مساحات واسعة" من القطاع.
حلم اليمين الصهيوني بالاستيلاء على الأراضي أصبح أقرب، وقد توسّعت المناطق العازلة بشكل كبير منذ هجوم حماس في أكتوبر 2023.

جاء هذا التصعيد في الأسبوع نفسه الذي شهد استدعاء نتنياهو مجددًا للإدلاء بشهادته في محاكمته بتهم فساد، وتورطه في تحقيق آخر يتعلق بعلاقاته المزعومة مع قطر.
يبدو أن بقاءه السياسي بات مرتبطًا باستمرار الحرب، على حساب الأسرى الصهاينة المتبقين وعائلاتهم، كما الفلسطينيين.

الاحتلال الصهيوني أعلن فتح تحقيق في حادثة 23 مارس، لكن الأمر يتطلب لجنة مستقلة.
وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي وصف غزة بأنها أخطر مكان على الكوكب على العاملين في المجال الإنساني، وأكد ضرورة محاسبة الجناة.
في عالم يتسع فيه الإفلات من العقاب، تتكاثر الجرائم. أولئك الذين يؤمنون بالعدالة يجب أن يعززوا دعمهم للمؤسسات الدولية التي تسعى لحمايتها.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/apr/03/the-guardian-view-on-israels-killing-of-paramedics-a-new-atrocity-in-an-unending-conflict