تتواصل الحرب في السودان منذ عامين، محوِّلةً البلاد إلى ساحة صراع دموي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط هذا المشهد المتأزم، برز الذهب السوداني كأحد العوامل المحركة للحرب، إذ أصبح تصديره وتمويل أطراف النزاع جزءًا لا يتجزأ من اقتصاد الحرب، وبينما تعاني البنية التحتية للبلاد من الدمار، شهدت صادرات الذهب ارتفاعًا ملحوظًا، متجهة في المقام الأول إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

الذهب وقود الحرب:

يؤكد المحلل الاقتصادي السوداني عبد العظيم الأموي أن تنامي الطلب على الذهب السوداني أسهم بشكل مباشر في استمرار النزاع، إذ يُعدُّ من الموارد القليلة المتاحة بسهولة في ظل غياب الدولة وضعف أجهزتها الرقابية، وتستفيد من هذه الثروة كل من الشركات العسكرية المرتبطة بالجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما جعل من الذهب مصدرًا رئيسيًا لتمويل الحرب.

 

ارتفاع غير مسبوق في الصادرات:

كشفت بيانات الشركة السودانية للموارد المعدنية أن صادرات الذهب الرسمية بلغت 64 طنًا عام 2024، مقارنةً بـ41.8 طن في عام 2022، وأوضح مدير الشركة، محمد طاهر، أن ما يقرب من نصف إنتاج السودان من الذهب يُهرَّب عبر الحدود، مما يعني فقدان الدولة لأموال طائلة كان من الممكن استخدامها في إعادة بناء الاقتصاد.

دور الإمارات في تجارة الذهب السوداني:
تعد الإمارات الوجهة الرئيسية للذهب السوداني، سواء عبر القنوات الرسمية أو عبر التهريب. وتشير التقارير إلى أن الإمارات تستورد 90% من صادرات الذهب الرسمية من السودان، بينما تشكّل بعض المناجم السودانية جزءًا من الاستثمارات الإماراتية المباشرة، مثل منجم "كوش" الذي اشترته شركة "إيميرال ريسورسز" الإماراتية عام 2020.

 

التهريب ومساراته:

وفقًا لتقارير منظمة "سويس إيد"، فإن طرق تهريب الذهب السوداني تمر عبر عدة دول مجاورة مثل تشاد، جنوب السودان، ومصر، قبل أن تصل إلى الإمارات. ويؤكد الباحث مارك أومل أن تتبع مسار الذهب يكشف حجم الدور الذي يلعبه في تأجيج الصراع السوداني، مشيرًا إلى أن كميات الذهب التي تصدّرها بعض الدول الإفريقية للإمارات تفوق بكثير قدرتها الإنتاجية، ما يؤكد أن جزءًا كبيرًا منها مصدره التهريب.

الشكوى السودانية ضد الإمارات:
في خطوة تصعيدية، رفعت الحكومة السودانية شكوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها الإمارات بـ"التواطؤ في إبادة جماعية" عبر دعمها لقوات الدعم السريع. إلا أن الإمارات نفت هذه الاتهامات، واصفة إياها بأنها "حيلة دعائية خبيثة"، وأكدت أنها ستعمل على إبطالها.

 

إمبراطورية حميدتي الذهبية:

يملك قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عددًا من مناجم الذهب في إقليم دارفور عبر مجموعة شركات "الجنيد" المملوكة لعائلته، والتي تخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الذهب مكّن حميدتي من تمويل قواته وشراء الأسلحة، فضلاً عن تمويل حملاته الإعلامية وكسب ولاء الجماعات السياسية والعسكرية.

 

نقل الذهب من دارفور إلى الإمارات:

وفقًا لمصادر هندسية عملت سابقًا مع "الجنيد"، يتم تهريب الذهب من دارفور عبر جنوب السودان، ثم نقله جوًا إلى أوغندا وكينيا، قبل أن يصل إلى الإمارات. وقدَّرت هذه المصادر أرباح حميدتي من تجارة الذهب بحوالي مليار دولار سنويًا.

 

الإمارات وسياسة "التدقيق" في قطاع الذهب:

تزعم الإمارات أنها تطبق إجراءات صارمة لضبط تجارة الذهب، مستندةً إلى إطار قانوني تم تحديثه في يناير 2023. لكن تقرير "سويس إيد" يشير إلى أن هذه الضوابط غير كافية، حيث تُظهر بيانات التصدير أن معظم الذهب القادم من إفريقيا لا يتم تسجيله في بلد المنشأ، مما يثير تساؤلات حول مدى شفافية العمليات التجارية في دبي.

وبينما يظل السودان غارقًا في نزاع مدمر، يبدو أن الذهب يشكل أحد أعمدة استمرار الحرب، ومع وجود الإمارات كمستورد رئيسي للذهب السوداني، تزداد الشكوك حول دورها في تأجيج النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر.