لا تزال أزمة الطاقة في أوروبا مستمرة، حيث تواجه جهود تنويع مصادر الطاقة تحديات كبيرة منذ أن عرّضت الحرب في أوكرانيا إمدادات الغاز الروسي للخطر. وفي ظل بحث القادة الأوروبيين عن بدائل، ظهر حل غير متوقع من منطقة آسيا الوسطى، حيث يمتلك مثلث إيران العراق تركمانستان احتياطيات ضخمة من الغاز غير المستغل. ومع ذلك، فإن العقبات الجيوسياسية والسياسية لا تزال تعرقل هذا المسار.
تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم، وتسعى إلى تقليل اعتمادها على الصين كمشترٍ رئيسي. ورغم العقوبات، تظل إيران مركزًا رئيسيًا لنقل الطاقة بفضل بنيتها التحتية المتطورة. أما العراق، فإن احتياجاته المتزايدة من الطاقة تجعله نقطة وصل محتملة بين موارد الطاقة في آسيا الوسطى والأسواق الدولية.
يمثل التعاون في مجال الطاقة المفتاح الأساسي لاستغلال هذا الإمكان. ففي مارس 2025، بدأت تركمانستان في نقل الغاز عبر إيران إلى تركيا بموجب اتفاق ثلاثي جديد، مما يعكس استعداد المنطقة لتعزيز التعاون في مجال الطاقة. ووفقًا لوزير الطاقة التركي، فإن هذا الاتفاق يعد خطوة تاريخية نحو أمن الطاقة، إذ تسعى تركيا إلى أن تصبح مركزًا رئيسيًا للطاقة، ليس فقط كدولة عبور ولكن أيضًا في تحديد الأسعار والتوزيع.
يكتسب هذا التطور أهمية كبيرة، إذ أن توسيع الاتفاقية قد يسمح بوصول الغاز التركماني إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا، مما يوفر بديلاً عن الغاز الروسي. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرّح سابقًا بأن تركيا تسعى لتكون مركزًا رئيسيًا للطاقة بدلاً من مجرد نقطة عبور.
العقبات أمام المشروع
ورغم الحاجة الملحّة لتنويع مصادر الطاقة، لم تُحرز أوروبا تقدمًا كافيًا في التواصل مع تركمانستان وإيران. وهناك عدة عقبات رئيسية تعرقل تحقيق هذا المشروع.
أولًا، العقوبات المفروضة على إيران تجعل الشركات الأوروبية والمسؤولين حذرين من التعامل مع طهران في مشاريع الطاقة، بسبب القيود الأمريكية. ورغم إمكانية اللجوء إلى صفقات تبادل الغاز لتجاوز التعاملات المباشرة مع إيران، إلا أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الإرادة السياسية لتنفيذها.
ثانيًا، تعاني آسيا الوسطى من نقص في البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز إلى أوروبا. وعلى مدى عقود، حالت النزاعات القانونية حول وضع بحر قزوين دون تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز العابر للبحر، الذي كان من المفترض أن ينقل الغاز التركماني عبر أذربيجان وتركيا إلى أوروبا.
ثالثًا، لا يمكن تجاهل النفوذ الروسي في سوق الطاقة. تاريخيًا، مارست موسكو ضغوطًا على تركمانستان لتوجيه صادراتها من الغاز إلى الصين بدلاً من أوروبا. ومع استمرار روسيا في التحكم بأسواق الطاقة العالمية، فمن المرجح أن تعارض أي مشاريع تقلل من سيطرتها.
كيف يمكن تجاوز العقبات؟
رغم هذه التحديات، يمكن للاتحاد الأوروبي تجاوز العقبات من خلال تقديم دعم دبلوماسي لمشاريع البنية التحتية، والتفاوض على تخفيف العقوبات المتعلقة بقطاع الطاقة، وبناء علاقات أقوى مع تركمانستان.
تعتمد أوروبا حاليًا على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر، وهو خيار غير مستدام ماليًا أو جيوسياسيًا. فالاعتماد الكبير على هذه الواردات المكلفة يشكل تهديدًا على القدرة التنافسية الصناعية في أوروبا واستقرار أمن الطاقة.
يمثل نقل الغاز التركماني عبر إيران وتركيا فرصة تحولية لأوروبا، لكن تحقيق ذلك يتطلب تحركًا سريعًا من بروكسل، خاصة وأن الصين والهند بدأتا بالفعل في تعزيز علاقاتهما الطاقوية مع دول آسيا الوسطى. فإذا لم تتحرك أوروبا الآن، فقد تفقد هذه الفرصة لصالح منافسين أكثر طموحًا.
القرار بيد أوروبا
يمثل ممر الطاقة الذي يربط إيران والعراق وتركمانستان فرصة استراتيجية لأوروبا. لكن امتلاك الإمكانيات وحده لا يكفي؛ بل يتطلب الأمر إرادة سياسية ودبلوماسية حازمة.
هل ستنتهز أوروبا هذه الفرصة الحاسمة لتعزيز أمنها الطاقي، أم ستظل رهينة للسياسات القديمة والمخاوف الجيوسياسية؟ القرار سيحدد مستقبل استقرار الطاقة في القارة.