الدراما المصرية في مرمى النقد: بين الترفيه والإسفاف
الجمعة 21 مارس 2025 08:00 م
مع حلول شهر رمضان من كل عام، يتحول المشهد التلفزيوني المصري إلى ساحة تنافسية بين صناع الدراما، حيث تُعرض عشرات المسلسلات التي تستهوي الجماهير، خاصة الشباب والمراهقين. ولكن في خضم هذا الزخم الفني، تبرز إشكالية جوهرية تتعلق بمحتوى هذه الأعمال، ومدى تأثيرها على القيم المجتمعية، الأمر الذي يثير جدلاً واسعًا بين النقاد والمثقفين.
التلفزيون وتأثيره القوي على المجتمع
يتميز التلفزيون بكونه الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشارًا، إذ لا يتطلب من الجمهور سوى امتلاك جهاز استقبال وقليل من وقت الفراغ. على عكس السينما أو المسرح أو الكتب التي تتطلب جهداً إضافياً من الجمهور لحضورها أو قراءتها، يقتحم التلفزيون البيوت بلا استئذان، ما يجعله سلاحًا ذا حدين؛ فإما أن يكون أداة للتنوير ونشر القيم الإيجابية، أو وسيلة لترسيخ الإسفاف والتسطيح الفكري.
القيم السلبية التي تروجها الدراما المصرية
تعاني الدراما المصرية في السنوات الأخيرة من تكرار أنماط مشوهة عن الواقع المصري، حيث يتم تصوير المجتمع وكأنه غارق في الفساد والانحراف، وهو ما يترك آثارًا سلبية على النشء والشباب. من أبرز القيم السلبية التي تنقلها هذه الأعمال:
تضخيم الظواهر السلبية: تصور المسلسلات المجتمع على أنه يعج بالفساد والرشوة والانحرافات الأخلاقية، مما يخلق انطباعًا عامًا بأن هذه السلوكيات هي القاعدة وليست الاستثناء.
الترويج للعنف والسلوكيات السلبية: تنتشر في الأعمال الدرامية مشاهد العنف اللفظي والجسدي، والاستهتار بالقوانين، وهو ما يؤثر على سلوك الشباب ويدفعهم لمحاكاة هذه التصرفات في حياتهم اليومية.
الابتعاد عن القضايا الحقيقية للمجتمع: تغفل الدراما معالجة القضايا الجوهرية مثل البطالة، الفقر، أزمة السكن، ومشاكل التعليم، وتركز بدلاً من ذلك على موضوعات سطحية أو مثيرة للجدل دون تقديم حلول حقيقية.
تأثير الإعلانات على القيم الاستهلاكية: أصبحت الفواصل الإعلانية بين المسلسلات أكثر تأثيرًا من المسلسلات نفسها، حيث تشجع على الاستهلاك المفرط والبحث عن الرفاهية بشكل غير واقعي.
إلهاء المجتمع عن مشاكله الحقيقية
يرى بعض المحللين أن انتشار هذا النوع من الدراما ليس مجرد صدفة، بل هو وسيلة لإلهاء الجماهير عن المشكلات الحقيقية التي تواجههم، مثل الغلاء، نقص الاستثمارات، البطالة، وتدهور الخدمات العامة. إذ تركز المسلسلات على الصراعات العائلية والعلاقات العاطفية المعقدة، بدلاً من تناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تلامس واقع الناس.
التعليم والثقافة كمدخل للإصلاح
لمواجهة التأثير السلبي للدراما، يجب تعزيز دور التعليم والثقافة في بناء وعي نقدي لدى الأفراد، بحيث يكون المشاهد قادرًا على تمييز الغث من السمين. ومن بين الحلول المقترحة:
إعادة النظر في المناهج التعليمية: يجب أن تتضمن المناهج المدرسية موضوعات تحفز الطلاب على التفكير النقدي وتعزيز القيم الإيجابية.
تشجيع القراءة والمسرح والفنون الراقية: دعم المكتبات العامة، وتنظيم الأنشطة الثقافية، وتحفيز الشباب على ممارسة الفنون الهادفة.
تمييز المواهب الحقيقية وتقديمها كنماذج إيجابية: بدلاً من تسليط الضوء على مشاهير السوشيال ميديا أو الفنانين المثيرين للجدل.
ضرورة وجود رقابة فعالة
تلعب الرقابة على المصنفات الفنية دورًا مهمًا في ضبط المحتوى المقدم للجمهور. إلا أن المشكلة تكمن في أن الرقابة غالبًا ما تركز على منع انتقاد النظام السياسي، بينما تتساهل مع المحتوى الذي يضر بالقيم الاجتماعية والأخلاقية.